الحكم العطائية | "اهتدى الراحلون إليه بأنوار التوجه والواصلون لهم أنوار المواجهة. فالأولون للأنوار وهؤلاء الأنوار لهم لأنهم لله لا لشيء دونه {قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}"

الإثنين 22 تموز , 2019 09:55 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - إسلاميات

مراتب السلوك في طرق المعرفة 

 

نقف اليوم مع حكمة من حكم الإمام العارف ابن عطاء الله السكندري رحمه الله يبين فيها مراتب طريق السير في معرفة الله سبحانه وتعالى وكيفية الوصول لهذا المقام من المعرفة والإيمان.

قال الإمام ابن عطاء الله السكندري رضوان الله عليه:

"اهتدى الراحلون إليه بأنوار التوجه والواصلون لهم أنوار المواجهة. فالأولون للأنوار وهؤلاء الأنوار لهم لأنهم لله لا لشيء دونه {قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}"

   أنوار التوجه: هي أنوار الإسلام والإيمان، وأنوار المواجهة: هي أنوار الإحسان.

أو تقول: أنوار التوجه: أنوار الطاعة الطاهرة والباطنة، وأنوار المواجهة هي أنوار الفكرة والنظرة.

أو تقول: أنوار التوجه: أنوار الشريعة والطريقة، وأنوار المواجهة: أنوار الحقيقة .

أو تقول: أنوار التوجه: أنوار المجاهدة والمكابدة، وأنوار المواجهة: أنوار المشاهدة والمكالمة .

وبيان ذلك: أنَّ الحق سبحانه إذا أراد أن يوصل عبده إليه توجه إليه أولاً بنور حلاوة العمل الظاهر، وهو مقام الإسلام، فيهتدي إلى العمل ويفنى فيه ويذوق حلاوة.

 ثم يتوجه إليه بنور حلاوة العمل الباطن، وهو مقام الإيمان من الإخلاص والصدق والطمأنينة والأنس بالله والتوحش مما سواه، فيهتدي إليه ويفنى فيه، ويذوق حلاوته، ويتمكن من المراقبة، وهذا النور أعظم من الأول وأكمل .

ثم يتوجه إليه بنور حلاوة المشاهدة، وهو عمل الروح، وهو أول نور المواجهة، فتأخذه الدهشة والحيرة والسكرة.

فإذا أفاق من سكرته، وصحا من جذبته، وتمكن من الشهود وعرف الملك المعبود، ورجع إلى البقاء: كان لله وبالله فاستغنى عن النور بمشاهدة نور النور، لأنه صار عين النور. فصار مالكا للأنوار، بعد أن كانت مالكة له، لافتقاره لها قبل وصوله إلى أصلها. فلما وصل صار عبدا لله حرا مما سواه، ظاهره عبودية وباطنه حرية .

والحاصل أنَّ العبد المريد لطريق العارفين مادام في السير فهو يهتدى بأنوار التوجيه مفتقراً إليها لسيره بها، فإذا وصل الى مقام المشاهدة حصلت له أنوار المواجهة فلم يفتقر الى شئ، لأنه لله لا لشئ دونه، فالراحلون وهم السائرون للأنوار، لافتقارهم إليها وفرحهم بها، وهؤلاء الواصلون الأنوار لهم، لاستغنائهم عنها بالله فهم لله وبالله، لا لشئ دونه .

ثم تلا الشيخ هذه الآية على طريق أهل الإشارةوالمعرفة: (قل الله) بقلبك وروحك وغب عما سواه (ثم ذرهم) أي الناس أي اتركهم (في خوضهم يلعبون) أي يخوضون في السِوى لاعبين في الهوى.

 

قال أهل المحبة والمعرفة:

الله قُل وذر الوجود وما حــــــوى...إن كنت مرتاداً بلوغ كمـــــــــــال

فالكل دون الله إن حققتـــــــــــــه...عدمٌ على التفصيل والإجمـــــــال

واعلم بأنك والعوالم كلـــــــــــها...لولاه في محوٍ وفي اضمـــــــحلال

من لا وجود لـــــذاته من ذاتــــه...فوجوده لولاه عيْنُ محـــــــــــال

فالعارفون فنوا ولمّا يشــــــهدوا...شيئاً سوى المتكبر المتعــــــــال

ورأوْا سواه على الحقيقة هالكــاً...في الحال والماضي والاستقبــال

فالمح بعقلك أو بطرفك هل تـرى...شـيئاً سوى فعل من الافعـــــــال

 

المصدر

إيقاظ الهمم في شرح الحكم


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل