الثبات ـ ثقافة
أن تقرأ بحوثًا عديدة تتناول العنوان المؤلم ( إبادة الكتب ) عبر تدمير مكتبات تاريخيّة وعظيمة ف الحروب الّتي دارت في أزممنة بعيدة ، لهو أمرٌ خارج عن ايّ من التّوقّعات الّتي يمكن أن تجنّبك ذلك الشّعور بالعجز ، بنقص القدرة على فعل أي شيء ، لكي لا تعرف ما عرفته الشّعوب الّتي اقتيد نتاجها الفكريّ والأدبيّ والثّقافيّ إلى المحارق ، وما أعظم من ذلك بكثير هو إعدام ونفي وتعذيب وقتل المفكّرين والعلماء والأدباء ومنتجي الفكر عبر العصور الّتي مرّت بها الإنسانيّة وصولًا إلى حاضرنا الّذي نعيشه .
يظهر هذا( الكتاب _ الألم ) أماكن متفرّقة وأزمنة متباعدة جرى فيها " إبادة الكتب " بقصد محو الفكر ، لكن هل إنّ ما مرّ به الكون عبر المتنوّرين والباحثين سيبحث عن جذوره كما أراد الغزاة والجهلة وأصحاب المصالح السياسيّة والاتنية ؟ هل ممكن أن نقرّ بضياع الملايين من الأفكار في أرجاء الكون ؟ أليس ما هو موجود قد وجد فعلًا ؟ وأنّ الكون غطاء أبديّ لكلّ ما ينضوي تحته ؟ أليس من الممكن أن نأمل بعودة تلك الأفكار بأشكال وتمظهرات متنوّعة من جديد إلى الولادة ، عبر قلم يأبى أن يصل إلى النّقطة الأخيرة ؟
إنّ كتب التّارخ لم تسلّط الضّوء على الإبادة الإتنية ،كما فعلت مع الإبادة الجماعيّة للنّاس فقد ذُكرت وتمّت استعادتها وتكرارها في مجال العنف السياسي الّذي رافق الحروب ص ( 32) .
ونجد في الكتاب تعريفًا لوظيفة المكتبات ، فهي تنقل " الذّاكرة الجمعيّة " والنّاس وسائط لهذه الذّاكرة ، لذا فإنّ الإبادة والتّحييد والاقصاء تطال الانسانيّة جمعاء إن سعت الدّول الغازية إلى إبطال مفعول فكر الّذي سبقها في البلاد الّتي احتلّتها ، أم إلى إعدام وحرق وتعذيب بشع لكلّ مفكّر وباحث وأديب .
وتقول المؤلّفة في ص "64" المكتبات ونظام التّعليم الرّسمي وسيلتان مؤثّرتان لتثقيف ( تسييس) الشّعب ،فكيف نرى إلى أحداث جمّة حرقت فيها ملايين المجلّدات والمخطوطات عبر العصور ؟
وقد تناول الكتاب أحداث حروب عديدة واجتياح قوميّات لقوميّات أخرى ، وأثر ذلك على المكتبات والإرث الثّقافي الإنساني الذّي يخص شعوبًا وإتنيّات كان لها كنوزًا معرفيّة ضخمة ، أنهتها أحقاد وضغائن وجهل وانتقام نبع من الجانب المظلم ووصلت إلى جانب مظلم آخر .
ففي فصل ألمانيا النّازيّة ما بين العنصريّة والقوميّة : وفي هذه الحرب في برلين ، فقدت المكتبة الوطنيّة نحو مليوني مجلّد ، دمّرت مكتبة الرّايخ تماما . وفي فرانكفورت فقدت مكتبة الجامعة 550 مجلّدًا و440 ألف رسالة دكتوراه و750 ألف براءة اختراع ص (138)
في صربيا دمّرالصّرب في سراييفو أكبر مجموعة مخطوطات إسلاميّة ويهوديّة ، كان المعهد يضمّ أكثر من 5 آلاف مخطوطة شرقيّة ص (169)
العراق دمّر في حربه على الكويت 23 مكتبة عامّة و572 مكتبة مدرسيّة و29 مكتبة أكاديميّة و69 مكتبة متخصصة ومركز معلومات ص (209)
في الصّين دُمّرت 2500 مكتبة وربع مليون كتاب ، إذ دمَر الحرس الأحمر بإقليم كيانسو 100 ألف مجلّد و80 ألف كتاب في ليلة واحدة ص 242 ، وقد دمّر أيضًا كلّ ما يذكّر بالكونفوشيّة ، بما في ذلك الصّور والنّصوص المقدّسة ، واستخدمت آثار المتاحف والمعابد والكنائس والمقابر والتّماثيل والآثار " قربانًا هائلًا محترقًا " ص 246
في التّبت أُجبر التّيبيتيّون على تدمير أديرتهم بأنفسهم تحت تهديد السّلاح ص 281 وقد كتب مؤرّخ في تلك الفترة عن إحضار كمّيات هائلة من الكتب للمساجين ، وإجبارهم على تمزيقها ووضعها في برميل ماء ص 282 ، وذكر أحد الباحثين أنّ 60 بالمئة من الكتابات الفلسفيّة والتّاريخيّة والسّيرالذّاتيّة للتّبت قد أحرقت ص 282 .وقد أعادت حكومة المنفى في التّبت طباعة زهاء 700 كتاب ( بإسلوب غربي ، لا تيبتي ) تتناول الدّين والفلسفة والسياسة والقانون والتّاريخ وعلم الآثار والجغرافيا والفلك والفنون ص 286 ، وفي المنفى نفسه قام العديد منهم بحماية العلماء ، إذ إنّهم اعتبروا بمثابة نصوصا حيّة ، بموت عالم واحد منهم في أثناء مشاركته في تشييد الطّرق تضيع قرونًا من التّعلّم ص 294 .
وبما أنّ المكتبات تدعم النّزعة الفرديّة والتّعدّدية ، والنّزعة الابداعيّة والعقلانيّة ، وحريّة انتقال المعلومات والتّفكير النّقدي والحريّة الفكريّة ص 301 ، ما على كل فرد إلّا أن يبني مكتبته الخاصّة كحدث بسيط سيساهم في تنمية روح المكتبات وحفظ الكتب بأمان .
وتقول الكاتبة ص 316" إنّ تفاعل الاختلافات ، تجاذبها وتنافرها هو ما يدفع حركة العالم ، الحياة التّعدّديّة ، أمّا التجانس فهو الموت "لذا يجب أن تصان الثّقافات ، وصونها يتطلّب مجهود كلّ فرد منّا .
حكمت حسن ٣-٦-٢٠١٩