الثبات ـ ثقافة
يقال اذا أردت أن تحتل بلداً فدمر ثقافته وتراثه.. هذا ما يفعله المحتل رغبة في طمس تاريخ الآخر وإعادة كتابته كما يحلو له، الأمر الذي يكفل له تدمير مطالب صاحب الحق بعد ذلك بالاستقلال، تدمير ثقافة أي شعب أمر كافي تماما لكسره واندثاره، لنتعرف على عدة أماكن تاريخية وثقافية دمرت بسبب الحروب دون أن تشفع لها قيمتها الضخمة شيئاً أمام الأسلحة الباردة والغباء الإنساني أو دمرت بسبب الحسد والحقد النابع عن الغباء الموروث :
مدينة تدمر السورية
تعرف المواقع الأثرية في المدينة باسم "لؤلؤة الصحراء"، وهي من أحد ستة مواقع سورية أدرجتها منظمة اليونسكو على لائحة التراث العالمي، لكن بعد سقوط المدينة في قبضة تنظيم داعش عام 2015، فجّر التنظيم عدداً من المعابد وأبراج الدفن وقوس النصر، إضافة إلى واجهة المسرح الروماني والتترابيلون. ووصفت "يونيسكو" خسارة المعالم التراثية في المدينة بـ"جريمة حرب" وخسارة تاريخية عميقة.
الجامع الأموي الكبير في حلب
يعدّ الجامع الأموي في قلب المدينة القديمة من أبرز الضحايا التراثية، وهو من أهم المعالم السورية والإسلامية، وبعد وقوع اشتباكات عنيفة في محيط وداخل باحة الجامع عام 2013، تهدمت مئذنة الجامع وشكّل تدمير الجامع صدمة شديدة لأن ذلك يعني خسارة أكثر من ألف سنة من التاريخ.
مدينة صنعاء القديمة
مع اندلاع الحرب في اليمن، تمّ تدمير العديد من مباني المدينة القديمة - المدرجة في قائمة التراث العالمي لليونسكو، وتتميز مدينة صنعاء القديمة بطراز معماري فريد، يعرف بالطراز الصنعاني، وهو الدُور المبنية على النمط العمودي متعدد الطبقات، والذي يصل أحياناً إلى ثماني وتسع طبقات.
جامع النوري في الموصل
جامع النوري الكبير هو المكان الذي أعلن فيه أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش إقامة ما وصفها بـ"دولة الخلافة" في عام 2014 دمَّرَ مسلحو التنظيم الجامع بعد ثلاث سنوات عندما أشرفت القوات العراقية على الوصول إليه، ولم يتبقَّ منه سوى قاعدة المئذنة وقبّة تدعمها بضعة أعمدة، ووصف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تدمير المسجد بـ"جريمة تاريخية"، نظراً للأهمية التاريخية والدينية للجامع.
معابد تدمر
تدمير المعابد الآثرية أمر عادي ومحبب بالنسبة لداعش، بزعم أن الأضرحة والتماثيل تمثل وجود إله آخر، وأحد دلائل الشرك، ويجب تدميرها، لكن الحقيقة الواضحة كالشمس هو رغبة هذا الكيان في طمس تاريخ البلاد العربية وتركها هكذا بلا هوية. ربما كان تدمير معبد بعل شمين، في مدينة تدمُر السورية، هو واحداً من الأفعال الأكثر قسوة، حيث يعود بناء المعبد الأثري إلى القرن الأول الميلادي، كان مخصصاً لإله الكنعانيين بعل شمين. اكتشفه علماء آثار سويسريين في الفترة ما بين 1954 و1956. وبعده دمرت داعش معبد “بل” الذي بني في عام 32م على أنقاض آخر مبني بالطين. واكتمل بناؤه في القرن الثاني الميلادي. وكرس للإله بعل، ويرحبول رب الشمس، وعجلبول رب القمر. وكان مقرّاً لمجمع الأرباب التدمريين وهو أقدم من معبد بعلبك بقرن كامل.
تدمير متحف الموصل في العراق
أحد أهم المتاحف في العراق والشرق الاوسط، يأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد المتحف العراقي في بغداد، تأسس العام 1952 في عهد الملك فيصل الثاني وينقسم إلى أربع قاعات. القاعة الاولى هي قاعة “عصور ما قبل التاريخ” وتوجد فيها آثار تعود للفترة 3100 قبل الميلاد، القاعة الثانية هي “القاعة الاشورية”، وفيها الآثار التي وجدت في محافظة نينوى للفترة من 911 قبل الميلاد إلى 612 قبل الميلاد، أما القاعة الثالثة وهي “القاعة الحضرية” فتغطي آثار الفترة الممتدة من 100 قبل الميلاد إلى 142 ميلادية، القاعة الرابعة والأخيرة هي “القاعة الاسلامية” وتغطي الآثار التاريخية التي تمتد من سقوط الدولة الساسانية بحدود 640 ميلادية إلى سقوط الدولة العثمانية عام 1924. وكانت داعش قد نشرت العديد من مقاطع الفيديو أثناء تدميرها لتماثيل القاعة الحضرية ومحتوياتها ومن بينها “المسلة الصفراء” التي تعود للملك الآشوري آشور ناصر بال الثاني
(مقدسات المسلمين) بقية بركة منزل النبي صلى الله عليه وسلم
بعد أن تحول الحج عند البعض من رحلة روحية إلى رحلة سياحية لا مكان للفقراء فيها، باتت مكة المكرمة في عهدة آل سعود مدينة الفنادق الضخمة الملكية وبرج الساعة الذي يرتفع لـ 1972 قدماً فوق الأرض، وهو واحد من أطول المباني في العالم وناطحات السحاب التي تضم مراكز تسوق فاخرة وفنادق ومطاعم لفاحشي الثراء، وأصبحت الكعبة وسط كل هذا تبدو كقزم بين هياكل الصلب وأضحت أم القرى المكرمة أُنموذجاً يحاكي لاس فيغاس.
دكَّ وهابية آل سعود بيوت الصحابة وزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجرفوا آثار المسلمين، فتحول بيت السيدة خديجة، الزوجة الأولى للنبي إلى كتلة من المراحيض، أما فندق مكة هيلتون فقد بُني على بيت أبي بكر الصديق، أقرب رفيق لرسول الله وخليفته الأول، المبنى الوحيد الذي تبقى ذو الأهمية الدينية هو البيت الذي نشأ فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، استخدمه مدمني بول البعير كسوق للماشية قبل أن يتحول إلى مكتبة يمنع الدخول إليها، إلى أن دعا شيوخهم مراراً وتكراراً لهدم البيت وتدميره، خشية أن يسجد المسلمون لرسول الله دون عن الله!! ويبدو أن الأمر لم يعد سوى مسألة وقت فقط قبل أن يُهدم البيت النبوي ليُقام مكانه موقف للسيارات، أي أن النظام الحاكم في السعودية قام تدريجياً بمحو كل آثار الماضي في مكة المكرمة .