الثبات ـ مقالات مختارة
في خطابه الأخير حول فنزويلا دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب قيادة الجيش الفنزويلي للقيام بانقلاب عسكري لخلع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، ودعم رئيس البرلمان المتمرّد والذي عيّن نفسه رئيساً للبلاد. يعكس تحريض الرئيس الأميركي قيادة الجيش الفنزويلي على التمرّد والقيام بانقلاب عودة الولايات المتحدة إلى سياستها التقليدية التي اعتمدتها لمنع رسوخ سيطرة أيّ سلطة ترفض الدوران في الفلك الأميركي وقبول خيار الهيمنة، وتتراوح هذه السياسة بين دعم جماعات إرهابية من القتلة المدعومة من مافيات تهريب الحشيش وتديرها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، كما كان يحدث في كولومبيا والسلفادور وتنظيم عصيان مسلح قرب حدود الدولة المعنية والمستهدفة بالمخطط الأميركي، كما جرى في نيكاراغوا في فترة سابقة، وأيضاً غزو عبر مرتزقة كما حصل ضدّ كوبا في خليج الخنازير في ستينيات القرن الماضي، وتنظيم انقلاب مسلح كما حصل في التشيلي ضدّ الرئيس المنتخب في مطلع سبعينيات القرن الماضي حيث نهض على أنقاض النظام الديمقراطي الذي قاده اللندي نظام ديكتاتوري ذهب ضحيته آلاف المواطنين.
عندما قام الجيش المصري، بعد تظاهرات 30 حزيران بعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي من منصبه، اعتبرت الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى ما جرى انقلاباً عسكرياً، والتزمت إزاء ذلك موقفاً حذراً، وإنْ كانت قد أرغمت على التعامل مع الأمر الواقع الذي نشأ في مصر، نظراً لمكانة مصر الإقليمية، وعدم القدرة على العبث بوضعها الأمني على نطاق واسع، وعدم قدرة أيّ دولة على احتلالها وإخضاعها لطلبات من نوع الطلبات التي تقدّمها الآن الولايات المتحدة إلى فنزويلا، ومن نوع طلبات الاتحاد الأوروبي التعجيزية من القيادة الفنزويلية.
تبرز من جديد هذه الحادثة سياسة المعايير المزدوجة، فما هو مقبول لفنزويلا ضدّ قيادتها الوطنية، مسموح به في أماكن أخرى، أو ثمة رضى عنه. المنطق يقول طالما أنّ الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة وصف دعم الجيش المصري للمتظاهرين في 30 حزيران لإسقاط الرئيس الإخونجي محمد مرسي أمراً غير مشروع، فكان ينبغي أن لا تطالب الولايات المتحدة الجيش الفنزويلي بالانقلاب على رئيسه حتى لو كان هناك متظاهرون مؤيدون لرئيس البرلمان ومعارضون للرئيس الفنزويلي.
الانقلابات العسكرية مرحّب بها في دول وهي تأتي لدعم الديمقراطية في منظور الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، ولكنها مرفوضة في دول أخرى إذا لم تكن هذه الانقلابات العسكرية بوحي وطلب من الولايات المتحدة والعواصم الغربية، إنها سياسة الكيل بمكيالين، صيف وشتاء تحت سقف واحد.
تعكس هذه السياسة الاعتماد على القوة الغاشمة ولا تقيم وزناً لإرادة الشعوب، وهذه السياسة هي التي كانت وراء اندلاع الحروب وتعريض الاستقرار والسلم الدولي والأهلي للخطر في مناطق كثيرة من العالم.
حميدي العبد الله ـ البناء