الشعب اللبناني .. مجتمع "القُطعان" و "مناعة القطيع"! ـ أمين أبوراشد

الأربعاء 23 أيلول , 2020 09:03 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تعبير مناعة القطيع (البقاء للأقوى) راج استخدامه كثيراً على مستوى العالم خلال مواجهة وباء الكورونا، واستسلمت العديد من الدول لهذا الإجراء بعد أن فشلت تدابير الطوارىء فيها بين الإقفال الشامل أو الجزئي لمؤسساتها، أو المُجاذفة بفتح بعض القطاعات نتيجة انهيار إقتصاداتها، وباتت مَقُولتَا الفتح والإغلاق تسودان الشارع الجماهيري المُربَك كما الحكومات في الصمود أمام أخطر جائحة عرفها التاريخ المعاصر.

نحن في لبنان نعيش مناعة القطيع من قبل وصول الجائحة إلينا، نتيجة مجموعة الأوبئة التي نُعاني منها على المستويات الوطنية والطائفية والسياسية والحزبية والإقتصادية والأمنية والقضائية، ومؤهلون منذ قيام لبنان الكبير لإعتماد مناعة القطيع في مواجهة الجوائح المُزمِنة، خصوصا أنها تتزامن مع وباء الكورونا الذي تخطَّت الإصابات فيه أرقاماً كارثية، وتصاعدت صرخات المستشفيات التي قد تنفجر قدرتها الإستيعابة، وسط انفجار السجالات بين وزير الصحة الذي يدعو الى الإقفال التام لمدة أسبوعين ووزير الداخلية الرافض لذلك، مع شبه عصيان مدني عن تنفيذ القرارات الحكومية نتيجة حالة الجوع التي لا تنفع معها مناعة القطيع، وانقطع الرزق الذي التهمته السلطات السياسية الفاسدة  وأتت على الأخضر واليابس.

واكتملت عملية التناحر والإنتحار عبر معركة المُثالثة التي يُخاض غمارها حول وزارة المال و"التوقيع الثالث"، التي هي قائمة أصلاً، لكن المؤسف الآن، أن هذه المثالثة في توقيع المراسيم ذات الصفة المالية، التي تتمّ حالياً بين رئيس ماروني ورئيس حكومة سنِّي ووزير مالية شيعي، باتت مرفوضة من الفريق الذي يُطالب إعادتها الى ثنائية المعادلة: رئيس ماروني ورئيس حكومة ووزير مالية من الطائفة السنِّية / الحريرية، وكأن البلد لم تنهبها وتبلغ بها الهاوية "السنِّية الحريرية"، وبات رؤساء الحكومات الحريرية السابقون رجال إنقاذ البلد من مستنقعات هُم من أغرقوا اللبنانيين بها!

على خلفية محاولات تشكيل حكومة مصطفى أديب، خرجت الأمور عن صفوة التخاطب وأدب الكلام، نتيجة "تكشير" رجل دين من هنا وآخر من هناك عن أنيابهم، وانطلقت السجالات عبر الإعلام ومواقع التواصل، بين القطعان الغافلة عن مصير نهائية لبنان الكبير كوطن للجميع، وباتت الدولة المدنية فيه وَهَماً بعد أن كانت حُلماً، وأبرز مُعرقليّ قيام نظام مدني هم كبار رجال الدين بذريعة الحفاظ على خصوصية الأحوال الشخصية والشريعة الدينية! 

دُعاة الفهم في لبنان من خصوم العهد يعتقدون، أن تحقيق الإنتصار على ميشال عون ومنعه من الحُكم هو إنجاز مُحقَّق لهم، وهُم لا يدرون أننا نسير بخُطى مُتسارعة الى مؤتمر تأسيسي حتمي، إن لم يكن الآن، فبعد انتهاء ولاية الرئيس عون، لأن مذهبية وزارة المالية فتحت شهية المُداورة في كافة الوزارات وووظائف الفئة الأولى حتى في قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان!

ومع فتح البطريرك الراعي موضوع الحياد الناشط بالتوقيت الخاطىء، حيث لبنان يستضيف لاجئين ونازحين بما يوازي ثلث سكان لبنان، الى جانب التهديدات الإسرائيلية المتمادية، والإرهاب المتغلغل في الداخل، تأتي عمليات التطبيع الخيانية الخليجية لتجعل من مرافىء العدو الصهيوني واجهة الشرق على الغرب بديلاً عن لبنان ومرفأ بيروت تحديداً، لدرجة أن الأوتوستراد العربي الذي يتمّ إنشاؤه ليربط بيروت بالعواصم العربية والخليجية قد يغدو بلا جدوى، ورغم المستقبل القاتم الذي ينتظرنا، ما زلنا في لبنان نتقاتل على وزارة من هنا وأخرى من هناك، وفحيح الأفاعي يصدح من على المنابر والمستمعون يُصفِّقون لديوك المزابل بانتظار جلاء نتائج معركة الديوك في صراع البقاء المذهبي على قاعدة مناعة القطيع.... 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل