الفيدرالية في لبنان .. نظريات عقيمة على خارطة الوَهَم ـ أمين أبو راشد 

الأربعاء 27 أيار , 2020 10:20 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات 

لن ندخل بنظريات الفيدرالية التي تعجُّ بها مواقع التواصل وتصريحات رجال الدين والسياسيين، لأنها الحلّ الوسط الذي لا حلّ له، كونها الطرح الوسطي بين التقسيم الطائفي واللامركزية الإدارية، خصوصاً أن اللامركزية فشل تحقيقها لغاية الآن، لأن أباطرة "الدين" وحيتان السياسة وزعماء الأحزاب يرفضون تطبيقها من خارج نفوذهم، وكل ليرة لبنانية واحدة تُصرف لا مركزياً يجب أن تمرّ في جيوب هؤلاء النافذين.

ولن ندخل أيضاً في أسباب السجالات حول البلوكات النفطية وتوزيعها الطائفي، ولا بمعامل الكهرباء و"الفولتاج" المذهبي القبيح، بل ننزل الى واقع الأرض حيث التطبيق المستحيل، طالما أن النائب السابق وليد جنبلاط - رائد فكرة الدويلة والكانتون- قد نعى منذ أيام فكرة الفيدرالية.

وإذا سلّمنا جدلاً أن الفيدرالية سوف تُقسَّم لبنان وطنياً الى أربع مكونات دينية / سياسية، المسيحية والسُنية والشيعية والدرزية، على أساس أن المسيحيين باتوا بنظر الآخرين فرق عملة نتيجة هجرة أريافهم في الشمال والجنوب والبقاع، لا بل باتوا أهل ذمَّة في مسقط الرأس وتركوا خلفهم أحياء مهجورة وكنائس مغمورة.

الفيدرالية في لبنان ليست كما في كانتونات سويسرا أو مقاطعات ألمانيا، لأننا في بلد تنخره الطائفية، ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فإن الدولة الدرزية كانت مطروحة في أحلام جنبلاط من عاليه والشوف نزولاً الى سهل البقاع الغربي وصولاً الى وادي التيم وراشيا وحاصبيا، مع استبعاد وصولها الى المناطق السورية الدرزية بعد الذي حصل في سوريا، فكيف تقوم قائمة لهكذا دويلة عندما تخترق البقاع الغربي ذا التنوع الطائفي المتعدد الإنتماءات الإسلامية والمسيحية؟!

نذهب الى الشمال، ونتجاهل القرى السسيحية المترامية بين أكثرية سنية، لنجد  أن القبيات هي وحدها ذات طابع مسيحي قوي، ومنها ننزل الى زغرتا التي تعتبر عرين المسيحيين في الشمال، ومن هناك الى بشري، لكن كل ما تبقى من خارطة الشمال، قرى مسيحية معزولة ستكون حكماً ضمن الدويلة السنية وعاصمتها طرابلس، لنُكمل الى الكورة والبترون وجبيل لنجد الأكثرية المسيحية مع تنوُّع إسلامي يعيش ضمن دولة مسيحية تترامى حتى كسروان والمتن، مع إيجاد حلّ لمدينة زحلة من الجهة المقابلة وضمِّها الى المتن عبر صنين.

ونُسلِّم جدلاً أن بيروت ستبقى عاصمة هذه الفيدراليات ويسكنها النسيج اللبناني بكل تنوعاته، فكيف السبيل الى وصل الضاحية الجنوبية بالدولة الشيعية في الجنوب، وماذا عن صيدا السنية وقرى شرق صيدا المسيحية والشيعية، بل ماذا عن وصل الدويلة الشيعية في الجنوب ببعلبك الشيعية المحكومة طريقها بالبقاع الأوسط السني؟ ثم ماذا عن رميش والقليعة المسيحيتين في الجنوب، وهما بمنزلة القبيات في الشمال؟!

كفى، كفى تنظيراً، سواء كنتم من أهل الدين أو الدنيا، وكفى مجاراة نظرياتكم من عامة الشعب القائمة قيامتهم على مواقع التواصل طلباً للكانتونات والفيدراليات ورسم الأحلام على خارطة الوهم، وهذا البلد الذي بات التنوُّع الطائفي فيه لعنة، الحل الوحيد لمعضلاته هو العدل القضائي والعدالة الإجتماعية، عسى شعبه يعيش بعضاً من المواطَنَة، وتعود إليه الثقة بالمسؤول الحكومي بدل أن يكون ضحية السموم المذهبية التي لن تؤمن له كسرة خبزٍ لا في الوطن الموحَّد شكلاً ولا بفدراليات وهمية تُمزِّق ما تبقى من الإنتماء للبنان..

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل