حكومتان ولا دولة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 22 أيار , 2020 11:40 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تخطو حكومة الرئيس حسان دياب بثبات، نحو ملاقاة مطالب اللبنانيين المحقة، في معالجة أسباب الأزمة الإقتصادية والمالية التي تضرب لبنان. لكن ما تراه الحكومة ساعة أو يوماً في توقيتها، من ضمن فرصة المائة يوم التي أعطتها لنفسها وأستهلكتها، هي دهر في توقيت اللبنانيين، الذين يكتوون بنارين: نار فقدان أموالهم لدى المصارف، التي تواطأت مع الحكومات السابقة في تسليفها أموال المودعين؛ وهي تعلم أن الهدر والسرقات جعلا الخزينة خاوية. وأكملت المصارف عدوانها على المواطنين، بتهريب رساميلها وأموال أصحابها إلى الخارج، مما أفقد السوق اللبنانية حاجتها من العملات الصعبة، في اقتصاد "مدولر"، فكانت النار الثانية التي اشتعلت في جيوب اللبنانيين ولقمة عيشهم، نتيجة الغلاء الجنوني الذي ضرب كل قطاعاتهم الحياتية.

لكن معضلة اللبنانيين مع حكومة دياب، ليست في هذا الجانب من المعاناة فحسب، بل في كون الحكومة تحكم بأدوات من سبقها من حكومات، مما يجعلها مجرد واجهة لحكم غيرها، أي أن هناك حكومتان تحكمان في لبنان حالياً: حكومة دياب التي لم تتسلم فعلياً كل مفاتيح الحكم والسلطة. وحكومة خفية مشكلة من موظفي تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف، الذي سطا على مال الدولة وأموال اللبنانيين في المصارف. والذين تبدو حكومة دياب أضعف من أن تواجههم، أو تحاسبهم على ارتكاباتهم، فكيف إذا تطلب الأمر زجهم في السجون؟

جاءت حكومة دياب على أنقاض حكومة سعد الحريري، الذي استقال تحت ضغط الشارع، بعد أن أوصل لبنان إلى عمق الهاوية الإقتصادية، هو ومن شاركه في محاصصة النهب وسرقة المال العام، تحت شعار حكومة، أو حكومات الوحدة الوطنية، فاذا بها "وحدة" لافقار لبنان وتجويع شعبه.

كما جاءت بعد أن ضجت الناس بالفساد المالي والسياسي للحكومات التي سبقتها، خصوصاً في سياسات الإستدانة بالعملات الصعبة، لتغطية أعمال النهب والإثراء غير المشروع الذي فرخ أصحاب مليارات وملاكي قصور وحسابات طائلة في البنوك، كان أصحابها قبل وجودهم في السلطة مجرد موظفين، أو أصحاب أعمال بسيطة بالكاد تدخلهم عالم الطبقة المتوسطة. في إعلان منهم على موت الدولة، أو غيابها في الحد الأدنى.

من هنا، من حق اللبنانيين أن ينظروا بعين الشك تجاه وعود حكومة دياب، فيما هي غير قادرة على نقض ناموس الفاسدين، فلا هي قادرة على التخلي عن نهج الحصول على ديون، تشكل حقن مورفين، تفاقم من علّة البلد. وسيرها باتجاه صندوق النقد ورغبتها بقروض "سيدر"، اعتراف بالعجز عن إختراق جدران متاهة الإنهيار. فهل من الصواب معالجة عجز لبنان عن خدمة الدين العام، بالمزيد من الديون، مع ما تحمله شروطها من مخاطر سياسية، قد توقع البلد في خيارات غير مقبولة وفي صراعات لا يتحملها.

وحكومة دياب على سبيل المثال وليس الحصر، عاجزة عن محاسبة حاكم مصرف لبنان، الذي تشير كل الدلائل، بما فيها اعترافات موظفين يعملون بإمرته. وكذلك اعترافات صرافين، بأنه هو من يقف خلف المضاربة على الليرة، تنفيذاً للهجمة الأميركية التي تضغط على اللبنانيين كي يتخلوا عن مقاومتهم ضد العدو "الإسرائيلي"، تحت طائلة تجويعهم إذا رفضوا هذا الطلب الأميركي-"الإسرائيلي".

وهي لم تلتقط حساسية اللبنانيين تجاه عجزها، أو ارتباكها، في معالجة فضيحة الفيول المغشوش، الذي فتح ملف الكهرباء، التي استنزفت ثلث ديون لبنان وكانت أحد أبرز أسباب إنهياره الإقتصادي. وكذلك، في عدم القدرة على محاسبة موظفين على شاكلة الذين اعتقلوا في فضائح "النافعة"، ثم اعيدوا مكرمين إلى وظائفهم، بعد أن سربت اعترافاتهم بسرقة المال العام ومشاركة مسؤولين أكبر منهم في اقتسام المسروق وفي الإثراء غير المشروع. أو في عجزها عن تعيين موظفين في مواقع حساسة، بعيداً عن سيف المحاصصة.

كل ذلك يجعل المواطن يتساءل عن قدرة حكومة دياب في ولوج درب محاسبة الفساد وملاحقة الفاسدين. أو في استعادة المال المنهوب. وفي استعادة الدولة للأملاك البحرية والنهرية وتحويل استثماراتها إلى خزينة الدولة، بدلاً من استيلاء النافذين عليها. ناهيك عن حلم اللبنانيين بقضاء مستقل لا يخضع لمصالح السياسيين.

يقول الرئيس حسان دياب أن "هناك من يسعى إلى إفشال الحكومة لتحقيق مصالح سياسية وشخصية". وهذا ليس سراً وليس جديداً على واقع الحكم في لبنان. لكن هذا التحدي إضافة إلى مصلحة البلد وحتمية اعتماد خيارات الإنقاذ، تحتم على حكومة دياب أن تكون هي صاحبة القرار وأن تقطع دابر تسلط قوى الظل. خصوصاً أن هذه الحكومة جاءت على أكتاف المتظاهرين المنتفضين على الفاسدين. وما لم تلبِ الحكومة مطالب الشارع الذي جاء بها، فانها تخاطر بأن هذا الشارع الذي يئن من المعاناة، لن يرحمها وسيلحقها بمن سبقها، ما لم تثبت أنها على النقيض منه.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل