الحكم العطائية .. "من علامات موت القلب، عدم الحزن على ما فاتك من الموبقات، وترك الندم على ما فعلته من الزلات"

الثلاثاء 21 نيسان , 2020 11:13 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - التصوف

 

"من علامات موت القلب، عدم الحزن على ما فاتك من الموبقات، وترك الندم على ما فعلته من الزلات"

 

القلب هو المضغة في الإنسان التي إن صلحت صلح الإنسان كله، وإن فسدت فسد الإنسان كله، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "الْحَلالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، ثُمَّ إنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلا إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإنْ فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ"، ولم يربط الفلاح في الآخرة في كتاب الله بشيء أكثر مما ربط بسلامة القلب كمثل قوله تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}.

 وفي هذه الحكمة المباركة يجلي الشيخ ابن عطاء الله رحمه الله ثلاثة أبعاد في ارتباطها بحياة القلب وموته:

أولها: البعد الشعوري

 فحديث الإمام ابن عطاء الله عن الحزن والندم في هذه الحكمة فيه إشارة إلى اثنين من أهم مناشط القلوب الحية والسليمة، والحزن المذكور هنا هو الحزن المحمود، وليس ذاك المذموم المنهي عنه في قوله تعالى: {ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون}، وفي قوله تعالى: {لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}، وهذا الحزن المحمود هو الذي ورد ذكره في قوله عز وجل: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه، تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون}، هذا الحزن الذي تنبثق عنه القلوب الحية، يترك فيها من الألم من جرّاء الموبقات ما يَفرق ويخاف المؤمنون منه، فيجعلهم يتجافون عن المعصية، إذ هو حزن على التفريط في جنب الله، وتضييع حقوقه سبحانه، وهو الذي أحاط بإحسانه إيجاداً وإنعاماً وتفضلاً.

كما أنَّ الندم المذكور في هذه الحكمة ليس هو الندم المحبط والمثبط، وإنَّما المقصود هو الندم الذي يشكل الجذر للمشاعر الذي تتدفق منه آهات الاستغفار ونورانية رافعة إلى السماء، في ظلال قوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}، وهو الندم الذي اعتبره علماؤنا ركناً من أركان التوبة النصوح لا تتم إلا به.

البعد الثاني: وهو البعد الزمني

 الذي يبرز من خلال قول الشيخ بن عطاء الله رحمه الله "مافتك" فتمثل الزمان المنصرم في اعتبار، من أهم المؤشرات على حياة القلوب، فحين يغيب هذا التمثل يفقد الإنسان القدرة على الوصل الراشد لما يأتي من حياته بما فات منها، ويفضي إلى الانقطاع المذموم، وقد أثنى الله جل جلاله على أصحاب هذه القدرة وسماهم أولي الألباب في قوله تعالى: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب}، فحين ينضاف هذا البعد الزمني إلى البعد الشعوري يستصحب ذوي القلوب السليمة الشعور بما فات من موبقات حزناً وندماً عليها، معتبرين اعتباراً يحول دون تكرارها فيما يأتي.

البعد الثالث: هو البعد العملي

 الذي يبرز من خلال قول الإمام ابن عطاء الله "فعلته من الزلات"، والصلة بين القلب السليم وبين ما يوقعه الإنسان صاحبه من أفعال هي ما جلاّه التابعي الجليل، والسالك المُسلِّك الحسن البصري رضي الله عنه حين قال: "الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل"، ممّا يجلي مسؤولية الإنسان عن أفعاله ومركزية القلب في كلّ ذلك، فالقلب الحي السليم، بخلاف القلب الميت أو السقيم، لا تصدر عن صاحبه إلا الأعمال المرتضاة.

لقد جاءت هذه الحكمة بثلاث اعتبارات: شعورية، وزمانية، وعملية، وثلاثتها من أهم مؤشرات حياة القلوب التي تقدرها على العمل والعبادة والرجوع إلى الله، و التوبة حزناً وندماً فاستغفاراً، فقربى وأوبة إلى الله تعالى.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل