الأول من نيسان مولد شهيد العروبة جول جمال ـ فادي عيد وهيب

الأربعاء 01 نيسان , 2020 11:29 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لمن لم يقرأ تاريخ أقدم حضارتي المنطقة والأرض كلها، و طبيعة علاقة شعبي وجيشي الدولتين لن يستطيع أن يدرك طبيعة العلاقة بين الجمهوريتين العربيتين المصرية والسورية، ولو فتحنا تاريخ النضال المشترك بين مصر وسوريا لن تكفينا صحفات جرائد كاملة كي نسرد فيها ذلك التاريخ العظيم، ولعلنا اليوم نكتب صفحة من صفحات ذلك التاريخ التى ربما لم يطلع عليها أغلبنا للأسف الشديد.  هى قصة كتبت حروفها بالفداء والتضحية ولخصت لنا معنى العروبة الحقيقي الأصيل، هى قصة ضابط سوري يدعى جول جمال وُلد في الأول من ابريل/ نيسان عام 1932م بقرية المشتاية التابعة لمحافظة حمص، ثم أنتقل جول ووالداه للعيش في مدينة اللاذقية حيث كان أبوه يوسف الياس جمال طبيباً بيطرياً ومديراً للصحة الحيوانية في اللاذقية وقد شارك في المقاومة ضد الإحتلال الفرنسي، فلم يكن غريباً أن يشب أبنه على حب العروبة والذود بروحه فداء الوطن.

حصل جول جمال على الشهادة الابتدائية سنة 1943م، والمتوسطة سنة 1950م من الكلية الأرثوذكسية في اللاذقية، ثم حصل على الشهادة الثانوية من الجامعة السورية بدمشق عام 1953م، ثم التحق بكلية الآداب التي تركها ليبدأ بعدها حياة جديدة ومساراً جديداً بعد التحاقه بالكلية العسكرية في 23 سبتمبر/ أيلول عام 1953م، وبعدها أرسلته الكلية ببعثة إلى مصر ضمن مجموعة تضم 10 طلاب سوريين للالتحاق بالكلية البحرية بمصر، وهكذا تحقق حلم جول جمال بأن يصبح ضابطاً في سلاح البحرية، وتخرج في 1 ديسمبر/ كانون الأول 1955م  وكان ترتيبه الأول على دفعته، وفي مايو/ أيار 1956م نال جول جمال شهادة البكالوريس في الدراسات البحرية وكان ترتيبه الأول على الدفعة ليصير الملازم ثاني جول جمال، و قبل أن يستعد جول ورفاقه لمغادرة مصر والعودة الى سوريا، كانت مصر حصلت على زوارق طوربيد حديثة، وهو الأمر الذي جعل الحكومة السورية أن تبقي على بعثتها في مصر لكي يتم تدريب ضباطها على تلك الزوارق الحديثة، وبتلك الفترة كانت مصر بقيادة زعيم العرب الخالد جمال عبد الناصر في صراع شديد ضد الدول الغربية الإستعمارية بسبب دعم مصر لجميع حركات التحرر في الوطن العربي وأفريقيا، ولرغبة مصر في إستقلالها التام وعدم خنوعها للغرب

ونتيجة لقرار جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس شنت كلا من بيريطانيا وفرنسا و"إسرائيل" العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م، وبتلك اللحظة التي رأي فيها جول جمال الشعب المصري وهو يدفع بالدم ثمن تمسكه بعروبته، أيقن تماما أن الحياة لا تساوى شيئا والوطن ينزف، وأن لا وجود للحرية، والإحتلال كل يوم يحصد من أرواحنا قبل خير أرضنا.

وخلال فترة الحرب كانت المدمرة الفرنسية جان بار (أول سفينة مزودة برادار في العالم، وعليها109مدافع، طولها 247متراً، وزنها 48750طناً، وطاقمها 88  ضابطاً و2055 بحارا) والتى كانت تعد فخر البحرية الفرنسية في خمسينيات القرن الماضي، تتوجه نحو بورسعيد لتدمير ما تبقى منها بعد ما تعرضت له من قصف سلاح البحرية والطيران الملكي البريطاني، وفي منتصف ليل 4نوفمبر/ تشرين الثاني التقط الملازم ثاني جول جمال وزملائه وكان بينهم طالب سوري أخر اسمه نخلة سكاف (أحد أبناء اللاذقية أيضا) بث المدمرة الفرنسية جان بار، وعندما علم جول بطلب القيادة المصرية تشكيل فرق فدائية دخل إلى مكتب قائده جلال الدسوقي وطلب منه أن يسمح له بالمشاركة في العمليات العسكرية، لكن قائده أعترض على ذلك، كون اللوائح العسكرية لاتسمح لأي أجنبي أن يقوم بدوريات بحرية، لكن جول جمال أصر  على المشاركة قائلا "أنا لا أرى بلدين أنا أرى بلداً واحد".

وهكذا قام جول جمال بهجوم إستشهادي بواسطة زورق طوربيدي مع زملائه أصاب فيه المدمرة الفرنسية بشلل تام، في وقت لم يكن تعرف فيه العمليات الإستشهادية التي أصبحت فيما بعد عقيدة المناضلين العرب ضد المستعمر في كل مكان في مصر والشام والعراق والمغرب العربي، لكي يكتب جول جمال تاريخاً جديداً بدمائه الذكية.

وفي 19نوفمبر/ تشرين الثاني 1956م أقامت الكاتدرائية المريمية للروم الأرثوذكس في العاصمة السورية دمشق قداس الجناز للشهيد جول جمال حضره رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء وأعضاء الحكومة ورئيس الأركان العامة وكبار موظفي الدولة وضباط الجيش وحشد غفير من أبناء الشعب السورى إضافة إلى ممثلين للجيش المصري.

حقيقة الأمر لو علم الناس تاريخ النضال المشترك بين مصر وسوريا للدفاع عن الأمن القومي العربي على مر العصور، سيدركون جيداً لماذا إنحازت مصر لإستقرار سوريا ومؤسساتها العسكرية وعدم الإنحياز للتنظيمات الإرهابية.

نعم فدماء جول جمال التى مهدت للوحدة بين مصر وسوريا عام 1958م، لكي يصبح بعدها علم الدولتين موحداً بالثلاث الوان الأحمر والأبيض والأسود ونجمتي الوحدة الذهبيتين لن تجعلنا نسمح لمعارضة فنادق الخليج أو جند الدجال أن دق التعبير بإستبداله بعلم الإنتداب الفرنسي.

لم يكن أن نتجاهل قصة ذلك البطل في يوم ميلاده وكل من الجمهوريتين العربيتين المصرية والسورية والأمة العربية جمعاء تمر بظروف إستثنائية صعبة، فما أحوجنا أن يطلع أبناء جيلنا الحالي على مثل تلك القصص ومعرفة ما قدمه الأجداد من تضحيات كي تظل راية العروبة خفاقة، وكي تظل الكرامة والمقاومة فوق كل أستعمار، أن كان ذلك الإستعمار بالسلاح أو بالفكر، فرحم الله سليمان الحلبي القرن العشرين، وحفظ خير أجناد الأرض وحماة الديار من شر المتأمرين.

 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل