في أي فخ سيسقط أردوغان أولا..  إدلب أم طرابلس؟ ـ فادي عيد وهيب

الخميس 13 شباط , 2020 09:19 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

بعد مؤتمر برلين الذى جمع الأطراف الفاعلة في الملف الليبي وفي مقدمتهم روسيا ومصر وايطاليا وفرنسا والمانيا وتركيا في العاصمة الالمانية يوم 19يناير/ كانون الثاني الماضي، دون حضور الليبيين أنفسهم سواء أن كانوا من الشرق أو الغرب، والأتفاق على عدم التدخل في الداخل الليبي، كمقدمة لعقد حوار يجمع الفرقاء الليبيين بعد وقف لأطلاق النار، وهو الأمر الذي لم يحدث، حيث صعدت تركيا من تدخلها العسكري في طرابلس ومصراتة.

وذهبت تركيا لتشحن أكثر من 12 الف مرتزق من سورية نحو طرابلس الغرب، تحت مرأى ومسمع من الجميع ومن دون الأهتمام بسرية تلك الخطوة، وبكل تأكيد لم يكن بوسع اردغان قبل أو بعد مؤتمر برلين أن يجرؤ على فعل مثل تلك الخطوة الا بضوء أخضر أميركي.

في الأسبوع الماضي في مجلس الأمن اعترضت كل من روسيا والصين وجنوب أفريقيا على مسودة قرار بريطانيا لاعتماد مخرجات "اتفاق برلين" برغم كل ما بذلته المانيا من أجل عدم هدم موسكو كل ما فعلته برلين في الأونة الأخيرة، قبل أن تتهم موسكو، بريطانيا بأنها صارت منحازة لطرف معين في ليبيا، وتسعى الى أستمرار النزاع، بعد أن ذكّر الممثل الروسي في مجلس الأمن الحاضرين بتجارب وقرارات الغرب العبثية في اليمن وسورية، وهي القرارات التي وصفها المندوب الروسي بأنها كانت تأتي بضغط من دول معينة لتنفيذ أجندتها في إشارة الى تمرير قرار حول اليمن بنشر قوات مراقبة تحولت فيما بعد الى طرف في النزاع اليمني وهو ما زاد من تعقيد الأمور باليمن، لانها لم تحظ بقبول شعبي وتم فرضها على الشعب اليمني من مجلس الأمن، كحال حكومة الوفاق في ليبيا، وكان ذلك قبل أن يطلب مندوب روسيا من الوفد البريطاني أن يتوقف عن سياسة الإنحياز الواضحة في النزاع الليبي مؤكداً أنه لن يمر قرار حول ليبيا دون توافق كامل، وهو الأمر الذى لقي تأييدا من الصين والدول الأفريقية الأعضاء في المجلس.

الفيتو الروسي ـ الصيني بمجلس الأمن أوقف قرار بريطانيا لاعتماد مخرجات "اتفاق برلين"، وبالتالي أنهى دور مؤتمر برلين تماما، وهو الأمر الذى أستوعبته الجزائر وبرلين نفسها قبل ذلك الفيتو بساعات، ومن هنا جاء لقاء كل من وزير الخارجية الالماني ووزير خارجية الجزائر بالمشير خليفة حفتر في مقر قيادة القوات المسلحة العربية الليبية بمدينة الرجمة، قبل أن يتلقى حفتر دعوة من الرئيس الجزائري لزيارة الجزائر، وبعدها تم الأعلان عن الغاء الزيارة التى كان مقررا لها أن يقوم وزير الخارجية الجزائري صبري بو قادوم لطرابلس، وأدعت حكومة الوفاق بأنها هي من ألغت الزيارة بسبب لقاء بوقادوم مع المشير خليفة حفتر، ولكن الحقيقة الأقرب هي، أن الجزائر من ألغت الزيارة لأنه وبكل بساطة تأكدت أنه لم يعد لحكومة الوفاق أي وزن.

وتبقى كلمة السر في المشهد الحالي هي "أردوغان"، كما كانت كلمة السر في بداية المشهد (حين التدخل السافر في طرابلس في بداية العام الجاري)، لكن في تلك المرة لم تكن جرأته السبب، بل حماقته المتزايدة، فحماقات أردوغان في إدلب قد تجعله يخسر سوريا وليبيا معا، فصبر الروسي بدأ ينفذ، وما حدث في إدلب مؤخرا من كم الهجمات التي شنها الطيران الروسي، وغزارة نيران المدفعية السورية على نقاط المراقبة التركية، التي أدت إلى قتل العديد من الجنود الأتراك، والأرقام الحقيقية لعدد القتلى والجرحى أشد قسوة مما تعلنه وزارة الدفاع التركية.

وبالتزامن مع أنقضاض الفيتو الروسي على المشروع الانجليزي ـ الالماني، ولقاءات المشير حفتر مع وزير الخارجية الالماني ثم الجزائري الذى أبدى مرونة تجاه المشير خليفة حفتر، لم تكن موجودة من قبل، ثم حضور وفد رفيع المستوى من الحكومة البريطانية الى مقر القيادة العامة للقاء المشير حفتر الخميس الماضي، وهو توجه جديد من لندن أيضا تجاه حفتر، إضافة إلى سفر رئيس الحكومة الليبية المؤقتة (شرق ليبيا) عبد الله الثني الى نيويورك بدعوة من الكونغرس الأميركي، لبحث أمر الحقول النفطية المغلقة بيد الجيش، لأن حقول النفط الليبية المغلقة كانت سبب توجه الانجلوسكسون بقوة نحو شرق ليبيا ولقاء المشير خليفة حفتر الذي أستغل ورقة النفط جيدا، بعد أن توقفت أغلب حقول ليبيا النفطية عن التصدير، وهي الحقول التى تقع أغلبها في منطقة الهلال النفطي الغنية، والتى دفع الجيش الوطني الليبي فواتير باهظة لتحريرها أكثر من مرة من التنظيمات الإرهابية، والأن تشترط بنغازي أن تكون هي المتحكم في المعاملات المالية مع الدول الأوروبية التى يصدر لها النفط من تلك الحقول، فبرغم أن الجيش الوطني الليبي هو من قام بتحرير تلك الحقول أكثر من مرة وأستشهد من جنوده المئات من أجل تحرير تلك الحقول، وهو من تولى عملية إعادة ترميمها، الا أن مستحقات المواد النفطية المصدرة تدفعها الحكومات الأجنبية للبنك المركزي المتواجد في طرابلس والواقع تحت سيطرة حكومة الوفاق، وبعدها تقوم حكومة الوفاق بتقسيم تلك المستحقات كما تريد، ومنذ سنوات والشرق الليبي لا يحصل منها الا على الفتات، والغالبية منها تصرف على المليشيات والمرتزقة في الغرب الليبي.

حقيقة الأمر باتت واضحة، وهي ان الولايات المتحدة ترواغ روسيا في الميدان السوري والليبي بأردوغان، فبضوء أخضر أميركي نزل أردوغان بكل ثقله الى طرابلس، وبنفس الضوء أرسلت تركيا بداية الأسبوع الجاري 300 مركبة الى إدلب، ليصل عدد المركبات هناك الى ألف مركبة إلى جانب 600 جندي تركي، وعندما أحتدم الأمر بين فلاديمير بوتين والبهلوان التركي الذى يقفز من حين الى أخر من حبل الأميركي إلى الحبل الروسي والعكس بالعكس، أعلنت واشنطن تأييدها الرسمي لكل التحركات العسكرية التركية في إدلب، في إشارة واضحة إلى دعم أردوغان ضد النفوذ الروسي في سوريا وليبيا، وعلى أثر ذلك الصدام وتكرار قفزات البهلوان التركي، ينتظر كل من الجيشين العربي السوري والليبي لحظة سقوط أردوغان من الهواء كي ينقض على الفرصة ويكمل كلا الجيشين تحرير بلاده، فمازال السلاح الأول لمحور الشر في سورية وليبيا هو أستخدام المرتزقة الإرهابيين المدعومين بغطاء دولي، بينما السلاح الأول للمحور المضاد هو "الصبر الاستراتيجي"، وسنرى كيف ومتى ستنتهي حرب كانت شطرنجية بأمتياز أسمها الحرب الليبية، ومؤامرة كونية لم تشهدها دولة في العالم أسمها الحرب السورية، وسننتظر أي فخ سيسقط فيه أردوغان أولا إدلب أم طرابلس.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل