الحريري والحَجّ الخاطىء ـ أمين أبوراشد

الأربعاء 14 آب , 2019 12:06 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات   
مصالحة بعبدا كانت مطلوبة لتسهيل إنعقاد جلسة مجلس الوزراء، قبل سفر الرئيس سعد الحريري إلى واشنطن عبر الرياض، إذ لم يكُن بإمكانه السفر للبحث عن مخارج لأزمة "سيدر" وهو عاجز عن جمع شتات وزرائه، فكان ما كان من سيناريو، جَمَع جنبلاط وإرسلان برعاية الثلاثي الرئاسي في جلسة "تبويس لحى" بين الزعيمين الدرزيين، لإنقاذ الحكومة على الأقل قبل استحقاق موعد "سيدر" خلال الشهر الجاري.

واستناداً الى سيناريو تسوية ذيول "قبر شمون"، كَتَب الحريري سيناريو زيارته الى أميركا، مع ضرورة المرور بالسعودية في موسم الحجّ، وسؤال خاطر الملك سلمان، و"الطواف" حول هالة ولي العهد الأمير محمد، والإستماع الى التوجيهات السعودية "الواجبة الوجوب" لتسهيل زيارة واشنطن، وتعبيد جزئية من طريق "سيدر"، وسوف يُطلَب من الحريري في واشنطن دفع ثمن هذه الجزئية سياسياً، لكنه لا يملك الثمن، لأن العقوبات الأميركية على إيران انسحبت على لبنان وعلى حزب الله تحديداً، ولا رفع لهذه العقوبات عن لبنان قبل حصول تسوية بين إيران وأميركا.

سافر الحريري في رحلة حجِّه باتجاه "القِبلة الخاطئة"، لأن سيناريو مَنع الرئيس ميشال عون من الحُكم ما زالت فصوله تتوالى على المسرح اللبناني، وما التضامن العجيب الغريب الذي جَمَع خصوم العهد حول وليد جنبلاط بعد جريمة قبر شمون، سوى فصل من مسرحية عرقلة عهد الرئيس عون المطلوبة سعودياً وأميركياً، والعهد في ورطةٍ مع شروط "سيدر" الأميركية، وميشال عون يرفض أن يعتمد أسلوب "الشحادة عالبواب ورمي الثوابت على العتاب".

أوروبا - ممثلة بفرنسا - ليست لديها على لبنان شروط سياسية قاسية، بل متطلبات إصلاحية على مستوى الوضع الإقتصادي العام، سواء لناحية خفض الإنفاق في القطاع العام أو تحسين الوضع الضريبي وتخفيف العجز المالي، وإذا كانت أوروبا حريصة على وقف الإنهيار في لبنان، من منطلق تأمين استمراريته في استقبال النازحين السوريين منعاً لإنتقال البعض منهم الى الدول الأوروبية، فإن أميركا ليس في أجندتها، منذ وصول حليف حزب الله الى بعبدا، سوى ضرب العهد عبر كل الوسائل والأدوات، حتى لو كانت هذه الأدوات هزيلة رخيصة بمستوى خصوم العهد الذين "تكوَّموا" تحت المظلَّة السعودية برعاية أميركية.

قد يسلك "سيدر" طريقه جزئياً، عبر تحسين الوضع الإقتصادي العام جزئياً في لبنان، لكن "تحسين" الوضع السياسي الداخلي بما يتواءم ومصالح السعودية وأميركا عبر "تقزيم" حزب الله فهو حلم ليلة صيف، ولعل من أقوى دعائم هذا العهد والعهود القادمة، أن تبقى المعادلة الذهبية في لبنان ضمانة استقرار داخلي، ولا اقتصاد بلا أمن، حتى ولو انهمرت أموال سيدر أضعافاً مُضاعفة على الخزينة اللبنانية.

وإننا إذ اعتبرنا أن "حجَّة" الرئيس الحريري المزدوجة الى الرياض وواشنطن خاطئة، فلأنها لن تُغيِّر في الواقع اللبناني الداخلي شيئاً، ومخطىءٌ من يعتبر أن استمرار الدعم الأميركي للجيش اللبناني دليل مودَّة أميركية قد تُعمَّم على سائر القطاعات في لبنان، لأن "الكَرَم" الأميركي على الجيش ما هو سوى من قبيل النكايات السخيفة بالمقاومة، وإذا كانت أميركا تُراهن على تقوية الجيش لإضعاف المقاومة ومعها العهد، فعلى الرئيس الحريري تعديل سيناريو محادثاته في واشنطن، بصفته أحد أركان التسوية الرئاسية، لأن لبنان قد كتب تاريخه المعاصر عام 2000 و 2006، واستكمله بإيصال شخصية مثل ميشال عون الى بعبدا، وأية شخصية تقِلُّ وطنية عن هذا الرجل الإستثنائي لن تَكون طريق بعبدا مُعَبَّدةً لها مستقبلاً ولا تعديلات في كتاب الناريخ بعد تحقيق لبنان إنتصاراته، وكفى المُراهنين الخائبين الذهاب الى الحجّ والناس راجعة...
 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل