"العنصرية" و نظام "الأبارتايد" ينهش الكيان العبري ـ أحمد شحادة

السبت 06 تموز , 2019 11:38 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات  

الصراع العنصري في الكيان الصهيوني ليس حديثاً، وإن كان قد اتخذ في الأيام القليلة الماضية شكلاً دموياً باستعمال العنف ضد "اليهود الفالاشا"، الذين تم تهريبهم على دفعتين في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي من اثيوبيا عبر السودان بالتواطؤ مع نظام جعفر النميري، لأن أساس تكوين المجتمع "الإسرائيلي" هي العنصرية،  وقد عبر عن هذا الواقع بوضوح الأزمة القائمة بين اليهود الغربيين (الأشكناز) واليهود الشرقيين (السفارديم)، منذ اغتصاب فلسطين عام 1948 .

لقد أُسّس هذا الجسم الغريب بناء على مخطط استعماري مدروس يهدف إلى “إقامة حاجز بشري بين عرب آسيا وأفريقيا على مقربة من قناة السويس يكون قوة صديقة للاستعمار عدوة لأهل المنطقة” بحسب ما جاء في قرارات مؤتمر لندن (1905-1907) الذي دعا إليه رئيس الوزراء البريطاني آنذاك لتدارس سبل تحصين الإمبراطوريات الاستعمارية من الزوال. لقد أصاب الغرب في اختيار هذا الحاجز البشري من الصهاينة المتفرّدين بخصائص الفوقية العرقية المستقاة أولاً من اعتقادهم بأنهم “شعب الله المختار”، وثانياً من التربية العنصرية للأجيال اليهودية بتعميق مفهوم الفوقية لدى الناشئة، وزرعه في عقول الدارسين جيلاً بعد جيل؛ فعلى سبيل المثال جاء في كتاب دراسات توراتية للكاتب حنّا حنّا إنّ:

“إحدى الحكم المفضّلة التي يعلّمها اليهودي لابنه: لا تثق بأي كان يا بُني  !!

وعندما سأله ابنه: وكيف هذا يا أبي؟

أخذه الأب ووضعه فوق صخرة مرتفعة وقال له هكذا يا بُني، ألقِ بنفسك إليّ لألتقطك؛

فرمى الطفل نفسه فانزاح الأب من تحته وسقط الطفل على الأرض وانقرفت رقبته!

فقال الطفل: لماذا هكذا يا أبي؟

فقال الأب: ألم أقل لك لا تثق بأي كان .. فهذا جزاؤك!!

هذا هو الدرس الأول الذي يتلقنه الطفل اليهودي من أبيه ولا ينساه أبداً ..

وأما الدرس الأخير وهي الوصية التي يتركها اليهودي لابنه بعد موته حين يقول له:

يا بني وصيتي الأخيرة هي هذه الزجاجة، فماذا ترى فيها؟

فيقول الابن: إني أرى فيها حصاة في ماء، فيقول الأب: وصيتي يا بني، إلى أن تنصهر هذه الحصاة في الماء، عندئذ ينصهر اليهودي بين الأغيار!! وهكذا يبقى اليهودي متقوقعاً على نفسه وينفر من الاندماج بأي مجتمع لأنه شعب مقدّس”.

ذلك لأن اليهود في الكيان الصهيوني يعيشون حالة الاستعلاء والعنصرية والفوقية تجاه (الجوييم) “الوثنيين والكفرة والبهائم والأنجاس، مهما يكن الإله الذي يعبدونه” وأما هم “فهم أبناء الله وأحباؤه”.

وبشكل عام فإن المجتمع الصهيوني يرضع الأطفال العنصرية وكراهية الاخر ،  ويُبرمجون على الاستعلائية والعنصرية ،هي نتيجة طبيعية لجهاز تعليمي في دولة الاحتلال خضع منذ بداياته لأسس أيديولوجية متمثلة في المعتقد الصهيوني، وذلك من خلال الاستعانة بالنصوص الدينية المستمدة من التوراة والتلمود، والتي تهدف إلى تبرير   الاحتلال لوجوده  .

فالكتب التي تشكل المصادر الأساسية للتربية عند هذا الاحتلال هي: كتب العقيدة الصهيونية وفي مقدمتها العهد القديم (التوراة والأنبياء والمكتوبات) وكتب الشراح والمفسرين من الحاخامات كالتلمود (المشنا والجمارا) والمدارش والهلاخا والهجدا.

وياي حال ،فمنذ قيام دولة الاحتلال ثمة صراع داخلي فيه يتخذ اشكالا عنصرية ،أولا ضد العرب ويقوم على الفصل العنصري والاستيطان والطرد من ارض الإباء والاجداد وصولا إلى أقرار الكنيست "الإسرائيلي" قانونا مثيرا للجدل يصف البلاد بأنها دولة يهودية بشكل رئيسي ،ويقول قانون "الدولة القومية" اليهودية إن لليهود حق فريد بتقرير مصيرهم، كما يجعل من العبرية اللغة الأساسية للدولة، مهمشا استخدام العربية التي كانت تعد لغة ثانية. وأشاد رئيس الوزراء "الإسرائيلي"، بنيامين نتنياهو، بخطوة إقرار القانون باعتبارها "لحظة حاسمة".

وقال "بعد 222 عاما من إعلان (ثيودور) هيرتزل (مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة) لرؤيته، حددنا بهذا القانون مبدأ وجودنا الأساسي".

ويعد القانون الذي سمي بـ"القانون الأساسي: إسرائيل بوصفها دولة قومية للشعب اليهودي"، تشريعا يُعرف إسرائيل بشكل أساسي بأنها دولة يهودية أولا وأخيرا ،فأول رئيس وزراء إسرائيلي، ديفيد بن غوريون، حذر، في 1949، من تحول إسرائيل إلى نظام أبرثايد إذا لم تحل مشكلة فلسطين.  

والأبرثايد في تعريفه القانوني هو هيمنة عرق على آخر، من أجل فرض بنية سيطرة من طريق أعمال غير إنسانية. وفي البدء، أرادت الحركة الصهيونية إنشاء موئل يهودي، ولكن دولة إسرائيل أُرسيت على غياب في المساواة بين اليهود والفلسطينيين. وكان التحدي الصهيوني أكبر من تحديات نظام الأبرثايد في أفريقيا الجنوبية: فهو أراد إنشاء دولة يهودية  . وهذا يقتضي إرساء توازن سكاني. ومنذ 1947، أي منذ طرد 750 ألف فلسطيني ورفض حق عودة المتحدرين منهم، ترمي السياسة الإسرائيلية إلى الحؤول دون غالبية فلسطينية، وهذه مصدر خطر و «قنبلة سكانية». ومثل هذا الشاغل لم يكن شاغل النظام في أفريقيا الجنوبية الذي لم يطمح إلى الديموقراطية. ولكن إسرائيل تنتهج سياسة تذرير الفلسطينيين وتقسيمهم من طريق رفض حق العودة، والسيطرة العسكرية على الأراضي المحتلة بعد 1967 وغيرها من تكتيكات تستهدف الأقلية الفلسطينية في "إسرائيل". وفي مقدور اليهود من أصقاع المعمورة كلها القدوم إلى إسرائيل، في وقت إن الأبواب موصدة في وجه فلسطينيي الخارج. ونظام الأبرثايد في إسرائيل هو نظام سيطرة: احتلال منذ 71 عاماً، وعنف مفرط، وتكتيكات إدارية وقصاص جماعي لترسيخ الدولة اليهودية.

 وثانيا: تميزت دولة العدو منذ اغتصاب فلسطين بصراع عنصري داخلي والتي عبر عنها بوضوح بين اليهود الغربيين (الأشكناز) واليهود الشرقيين (السفارديم) ، واليوم يعبر بشكل دموي مع اليهود الفالاشا ذوي الأصول الإثيوبية  الذبن باشروا تحركهم احتجاجا على مقتل فتى منهم برصاص ضابط إسرائيلي في خليج حيفا  ، ورأى المتظاهرون في الحادثة تعبيرا عن التمييز الذي يتعرضون له.

و اشتبك آلاف المتظاهرين مع الشرطة في مواقع عدة حيث أغلقوا شوارع على نطاق واسع، وأحرقوا سيارات للشرطة والمارة، وتحديدا في مدينتي حيفا وتل أبيب.

واليهود الفلاشا لا يتمتعون بنفس حقوق التعليم والوظائف، في المجتمع "الإسرائيلي" حديث التشكل، الذي يعاني من مشاكل انقسام عرقي وديني حادة.

والفلاشا، إلى جانب اليهود الشرقيين عموما، لطالما رفعوا أصواتهم ضد التمييز العنصري الذي يتعرضون له في "إسرائيل"، وكانت من أبرز الحوادث العنصرية الاعتداء على جندي من أصل إثيوبي، وكذلك إلقاء أحد المراكز الطبية الإسرائيلية بدم تبرعت به نائبة من أصل إثيوبي في الكنيست في القمامة.

وقد كشف تقرير نشره مكتب الإحصاء المركزي في "إسرائيل "عام 2017 الحقائق التالية المتعلقة بالحالة الاجتماعية والاقتصادية ليهود الفلاشا:

-  يبلغ عدد الإسرائيليين من أصل إثيوبي حوالي 140 ألف شخص، أي قرابة 2% من إجمالي التعدد السكاني لإسرائيل، ولد أكثر من 85 ألف منهم في إثيوبيا.

-  تشير معطيات المركز إلى الإنغلاق والانعزال النسبي لمجموعة اليهود الإثيوبيين، ورصد أن 88% من حالات الزواج تعقد ضمن الجالية الإثيوبية.

-  يحصل 55.4% فقط من طلاب المدرسة المنحدرين من إثيوبيا على الشهادة الثانوية، ينال 39% منهم الشروط اللازمة للالتحاق بالجامعات.

فيما أظهرت دراسة أعدها مركز "توبة" للبحوث الاجتماعية العام 2015 أن متوسط الدخل الشهري لعائلات اليهود الإثيوبيين أقل بنسبة 35% بالمقارنة مع المجموعات الأخرى في إسرائيل.

-  غالبية يهود الفلاشا يزاولون أعمالا منخفضة الأجور لا تحتاج إلى تأهيل علمي، مثل النظافة وقطاع الأغذية.

وتشير تقارير إعلامية إلى أن الفلاشا القادمين خلال الموجة الأولى من هجرتهم وحتى موجات تالية لا يتقنون اللغة العبرية ولم يتمكنوا من التأقلم مع المجتمع رغم برامج الاندماج التي أطلقتها الحكومة.

يعتبر أبناء الجالية أن الإسرائيليين لا يزالون ينظرون إلى المهاجرين الإثيوبيين نظرة فوقية لدواعي شتى، أحدها لون البشرة.

ويتهم الإثيوبيون الإسرائيليين "البيض" بممارسة "التمييز العنصري النظامي الممنهج" بحقهم وحرمانهم من حقوقهم الشرعية رغم أن "إسرائيل" تقدم نفسها أنها تسترشد بقيم الديقراطية والتعددية والمساواة.

ويرى الإثيوبيون أن الشرطة تتعامل معهم بالعنف التعسفي وتستخدم القوة المفرطة ضدهم.

إضافة إلى ذلك، يؤكد الإثيوبيون أنهم يعانون من التفرقة العنصرية في التعاملات اليومية، مشيرين إلى أن العنصرية والتمييز يعيقان تطور مجتمعهم ككل، ويبقيانهم عند مستوى اجتماعي اقتصادي منخفض.

ويقول الفلاشا إنهم يتعرضون للاضطهاد على غرار الأمريكيين من أصول إفريقية، رغم أن أسلافهم لم يكونوا أبدا عبيدا لدى ذوي البشرة البيضاء، بل قدموا إلى إسرائيل طبقا لـ"قانون العودة" مثلما وصل اليهود من أي بلدان أخرى.

من اللافت في السياق، أن متظاهرين شاركوا في الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في إسرائيل عقب مقتل الشاب الإثيوبي سولومون تاكه (18 عاما) برصاص شرطي في مدينة حيفا يوم 29 حزيران الماضي ، رددوا شعار "حياة السود مهمة" (Black lives matter) الذي رفعه المحتجون ضد العنصرية في الولايات المتحدة، ووصل الأمر ببعض الفلاشا المتظاهرين والغاضبين لأن يطلقوا شعائر تهز الدولة العبرية مثل: "يعيش فلسطين" و "تحيا فلسطين".

فهل نحن أمام مرحلة جديدة من تآكل "الكيان العبري" من الداخل؟

 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل