أخلاق النبوّة.. صفات نفتقد إليها

الخميس 27 كانون الأول , 2018 02:10 توقيت بيروت مقالات فكريّة

لقد خصّ الله سبحانه وتعالى رسولنا محمداً صلّى الله عليه وآله وسلّم بأجمل الصفات وأحسنها، وأتمّها من الظّاهر والباطن، وإنّ أهمّ ما خصّه به من الخلق العظيم هو الحياء والكرم والشّجاعة والصّفح والحلم، وغيرها من الأخلاق الرفيعة التي نحن أشد ما نكون بحاجة إليها لنُصلح علاقتنا بالله عز وجل، وبعباده أيضاً، ومن ذلك: 
الأدب: لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم وافر الأدب، وهو الذي قال: "أدّبني ربي فأحسن تأديبي "(أخرجه ابن السمعاني في أدب الإملاء عن ابن مسعود)، وقال ابن القيّم (رحمه الله تعالى): "الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان"، وحينما سئلت السيدة عائشة (رضي الله عنها) عن خلقه، قالت: "كان خُلُقه القرآن " (أخرجه مسلم).
التواضع: كان صلّى الله عليه وآله وسلّم وافر الأدب، جمّ التواضع، فعلامة الإيمان بالله التواضع، وعلامة تعظيمك لله التواضع. كان صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا سافر مع أصحابه، وقال أحدهم: عليّ ذبح الشاة، وقال الثاني: عليّ سلخها، وقال الثالث: وعليّ طبخها، قال عليه الصلاة والسلام: عليّ جمع الحطب، يقال له: يا رسول الله، نكفيك ذلك، يقول: "قد علمتُ أنكم تكفوني، ولكن أكره أن أتميّز عليكم، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزاً على أصحابه".
يبدأ الناس بالسلام :كان عليه الصلاة والسلام يقول: "أفشوا السلام بينكم". السلام من سمة المؤمنين، وإلقاء السلام سُنّة مؤكدة، لكن ردّ السلام فريضة، وأنت حينما تقول لمن تلتقي به: السلام عليكم، فقد جعلتَ العلاقة بينك وبينه علاقة سلام. كان صلّى الله عليه وآله وسلّم يبدأ الناس بالسلام، وينصرف بكلّه إلى محدّثه، أما إذا صافحه أحد أصحابه، فكان آخر من يسحب يده إذا صافح، إلى أن يسحب الصحابي يده من يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان يسلّم على الناس بحرارة، بمودة، بطلاقة وجه، يسألهم عن أحوالهم، وعن أولادهم، وعن صحتهم، وعن معاشهم، وعن أعمالهم، وهذا منتهى الأدب، ومنتهى الودّ.
الإصغاء الكامل: كان صلى الله عليه وآله وسلم يصغي للحديث بسمعه وبقلبه. هناك من يتعلم فن الكلام، لكن النبي عليه الصلاة والسلام علّمنا فن الكلام، وعلّمنا فن الاستماع، ولا يتقن فن الاستماع إلا القلة، يتقن فن الكلام كثيرون من البشر، لكن الذين يتقنون فن الاستماع قليلون جداً، فكان يصغي إلى محدّثه وينصرف بكله إلى محدثه، وهذا تكريم له، وهذا أدب ما بعده أدب؛ أن تستمع إلى الآخر بكل حواسّك.
إصغاؤه للزوجة وتبادل الحديث معاً :كان عليه الصلاة والسلام يصغي إلى زوجته. أحياناً، وبعد مضيّ وقت من الزواج، تُرفع الكلفة بين الزوجين، فقلما يصغي الزوج إلى زوجته، لكنه عليه الصلاة والسلام أصغى إليها كثيراً، وقد حدثته عن قصص كثيرة. كما أنه كان يخصف نعله، ويخدم نفسه، ويكنس داره، وكان في خدمة أهله.. أناس كثيرون يترفعون عن القيام بأعمال المنزل، لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم علّمنا أننا إذا قمنا ببعض الأعمال في المنزل، تمتّنت العلاقة بيننا وبين زوجتنا.
معاملته مع الناس :كان عليه الصلاة والسلام مبتسم الوجه، وضاحكاً، يلقى أصحابه بالبشاشة، وهو قد قال: "تبسُّمك في وجه أخيك صدقة"، كما كان على درجة عالية من الحكمة، ومن أخذ الحيطة في الوقت عينه، فكان عليه الصلاة والسلام يحذر الناس، ويحترس منهم. أما إذا تصدّق، وضع الصدقة بيده في يد المسكين، وهذا أيضاً نوع من الأدب، لا أن تُلقي عليه مبلغاً من المال إلقاءً، ولا أن تكلّف أحداً أن يعطيه هذا المال، وإذا جلس جلس حيث ينتهي به المجلس، فأناس كثيرون اليوم إذا دُعوا إلى احتفال، إن لم يكن لهم مكان في الصف الأول غضبوا أشد الغضب.. لم يُرَ مادّاً رجليه قط، ولا بين أصحابه، وهذا أدب جمّ، فهناك جلسة فيها أدب، وهناك وقفة فيها أدب، وهناك حركة فيها أدب، وهناك نظرة فيها أدب.
يقبل عذر المعتذر :كان عليه الصلاة والسلام يقبل عذر المعتذر. العُظماء يغفرون الزلات، ويقبلون الأعذار، فهذا الذي ارتكب خيانة عظمى، قال له: يا حاطب، وقد أخبر قريش أن محمداً سيغزوهم، ما حَمَلَكَ على ما فعلت؟ قال: والله يا رسول الله ما كفرت، ولا ارتددت، ولكني لصيق في قريش، أردت بهذا الكتاب أن أحمي أهلي ومالي، وأنا موقن أن الله سينصرك، فاغفر لي ذلك يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: إني صدّقته فصدّقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيراً.. الإنسان اللئيم لا يُسترضى، ولا يرضى، لكن الإنسان المؤمن يُسترضى ويرضى، كان يقول: "من أتاه أخوه متنصّلاً، فليقبل ذلك منه، مُحقاً أو مُبطلاً".
دائم الفكر.. يحمل همّ أمته :كان صلى الله عليه وآله وسلم يحمل همّ البشرية، ونحن إن حملنا هم أسرتنا هذا عمل طيّب، وإن حملنا هم الأسرة الكبيرة هذا عمل أطيب، أما حينما تحمل همّ الأمة فهذا عمل عظيم، كان يقول: "لو تعلمون ما أعلم، لبكيتم كثيراً، ولضحكتم قليلاً".
يألَف ويُؤلَف :كان من رآه صلى الله عليه وآله وسلم بديهة هابه، ومن عامله أحبّه، كان دمثاً ليس بالجاحد، ليس الذي ينكر المعروف، كان لا يُهين أحداً، يترفق بأصحابه..
يعظّم النعمة: أن تشرب كأس ماء، فهذه نعمة لا يعرفها إلا من أصيب بالفشل الكلوي.. أن تنام مرتاحاً، هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقد نعمة النوم.. أن تدخل إلى بيت يؤويك، كان عليه الصلاة والسلام يقول: "الحمد لله الذي آواني، وكم من لا مأوى له"، وإذا استيقظ من منامه يقول: "الحمد لله الذي ردّ إليّ روحي، وعافاني في بدني، وأذِنَ لي بذكره".. نحن غارقون في نِعَم لا تُعدّ ولا تُحصى، ومع ذلك نُكثر الشكوى.
يُحقّ الحق ويُبطل الباطل :كان صلى الله عليه وآله وسلم يُحسّن الحسن ويصوّبه، ويقبّح القبيح ويوهنه.. عمل حسن يجب أن تصوّبه، وأن تثمّنه، وأن تثني على فاعله.. هناك إنسان لا يتكلم بكلمة، هو فقط كـ"القناص"؛ يبحث عن الخطأ فقط، أما الإنسان الكامل إذا رأى عملاً طيباً، أو موقفاً أخلاقياً، أو موقفاً كريماً، فيثني على صاحبه، ولا يقصّر عن حق ولا يجاوزه.
في الختام، الإيمان هو الخُلق، فمن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الإيمان، والخُلق الأصيل هو الذي تستمدّه من اتصالك بخالق الأكوان، فأنت حينما تتصل بالرحيم تكون رحيماً، وحينما تتصل بالحليم تكون حليماً، وحينما تتصل بالودود تكون ودوداً، وحينما تتصل بالعفو تكون عفواً، فمكارم الأخلاق - كما ورد في الأثر - مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحب الله تعالى عبداً منحه خُلُقاً حسناً.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل