الثبات-إسلاميات
قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا﴾ بعد سنواتٍ طوال نام فيها الفتية في كهفهم تحت رعاية الله، جاء أمر الله: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ} وما أعظم هذا الفعل حين يكون من الله!
فالبعثُ عند الله ليس إحياءَ أجسادٍ فقط، بل هو نقطة تحوّل في قصة، ويقظةٌ بعد غفلة، وخطوةٌ جديدة في قدرٍ كتبه الله لعبده.
لقد بعث الله الفتية ليعودوا إلى الحياة، وليظهر للناس أنّ وعد الله حق، وليتجلّى الفرق بين من يقيس الأمور بعين البشر، ومن ينظر إليها بنور الله.
والآية تقول:﴿لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا﴾ والعلم هنا علمُ ظهورٍ وتجلٍّ لما شاءه الله، لا علمُ جهلٍ — تعالى الله عن ذلك — بل ليظهر للخلائق أن قدرة الله تفوق ظنّ العقول، وأن الغيب بيد الرحمن، وأنّ الزمن خاضعٌ لقدرته، يُطيل ما يشاء، ويقصر ما يشاء.
إنّ الذي يبعث الأجساد بعد موتها قادرٌ أن يبعث الأملَ بعد يأس، والقلبَ بعد قسوة، والطريقَ بعد انقطاع وقد قال النبي ﷺ: ((واعلم أنّ النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا)) فالبعث ليس فقط يوم القيامة… بل قد يكون بعثًا لروحك، وسوقًا لقدرك، وإحياءً لحلمٍ مات في الطريق.
عاد الفتية بعد ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا، ليكونوا آيةً للناس، كما قال تعالى بعدها: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ هكذا يُغيّر الله مشهد الحياة في لحظة؛ يُخفي عباده زمانًا، ثم يُظهرهم، يبتليهم، ثم يرفعهم، ينيمهم، ثم يبعثهم.
وكما بعث الفتية من نومهم، يبعث الله اليوم قلوبًا أضناها التعب، وصدورًا أثقلتها الفتن، ويبعث في طريق المؤمن نورًا يجعله يرى الحكمة في كل ما مرّ به. فإن الله يقول: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ كم من مؤمنٍ اليوم يحتاج إلى “بعثةٍ” جديدة! بعثةٍ تغيّر حاله، وتفتح له بابًا، وتعيد إليه شيئًا ظنّ أنه ضاع.
ومن أوى إلى الله كما أوى الفتية… فإن الله يبعثه حين يحين الوقت، وبالطريقة التي تليق بحكمته.
فيا رب… ابعث فينا من السكينة ما يُطمئن القلوب، ومن الفرج ما يحيي الآمال، ومن الهداية ما يجعلنا نرى نورك في كل قدر.
رجب الأصب شهر الله .. سماحة الشيخ الدكتور عبد الناصر جبري رضوان الله عليه
رجب… شهر اليقظة والتهيئة
الأم التي تبتغي وجه الله… جنتان تنتظرانها