الأم التي تبتغي وجه الله… جنتان تنتظرانها

الجمعة 19 كانون الأول , 2025 01:00 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

 الثبات- إسلاميات   

الأم التي تجعل تربيتها لأبنائها عبادةً خالصة، وعملاً تُراد به مرضاة الله قبل كل شيء، لا يُضيِّع الله سعيها ولا يهمل دمعتها؛ فهي تعيش في دارها نفحاتٍ من الجنة، قبل أن تذوق نعيم الجنة الحقيقي يوم تلقاه سبحانه.

 هذه الأم التي تُصلح نيتها، وتغرس الإيمان قبل المعرفة، والرحمة قبل السلوك، وتعلّم أبناءها الأدب قبل الحروف… إنما تبني بيتًا تزوره الملائكة، لأن الله قال: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾. وأيّ عملٍ أطيب من صناعة قلبٍ مؤمن، ونشأةٍ صالحة تُنبت في الأرض عبادًا لله؟

 وحين تسهر الأم الليل على وجع طفل، أو تقضي نهارها بين تربيةٍ وتعليم وصبر، فإن الله لا يغيب عنه شيء من تعبها؛ ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾، فكل تنهيدة تُطلقها في خفاء، وكل وجع تخبّئه خلف ابتسامة، وكل خطوة تحتسبها لله… محفوظة عنده، مكتوبة في سجل لا يضيع.

 وقد قال النبي ﷺ في فضل من يتعب في سبيل أهله: ((إنَّكَ لَن تُنفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا))(متفق عليه).

فكيف بمن تنفق وقتها، صحتها، صبرها، وحنانها؟!  

وأما سهرها على أولادها، فقد قال ﷺ: ((ما يُصيبُ المُسلِمَ مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ… حتى الهمِّ يهمُّه، إلا كفّر الله به من خطاياه)) (متفق عليه).

والأم يهمّها أبناؤها صباحًا ومساءً، فكل همٍّ لها عبادة، وكل نصبٍ رفعة.

 وأما جنة الدنيا التي تعيشها، فهي السكينة التي تنزل على قلبها حين ترى ثمرة تربيتها، والرحمة التي يزرعها الله في بيتها، تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.  

وأما جنة الآخرة، فقد أشار إليها النبي ﷺ حين قال: ((الوالداتُ يلِدنَ الجنةَ أو النار)) فمن ربّت لله، وعلّمت لله، وصبرت لله… كانت تربيتها سُلّمًا إلى الجنان، وولدُها حجابًا لها من النار.

 تلك هي الأم التي لم تبحث عن مدح الناس، بل عن رضى رب الناس. لم تُربِّ أبناءها ليكونوا زينة الدنيا فحسب، بل ليكونوا صدقةً جارية لها بعد الرحيل.

فاستحقت جنتين: جنةً تُعاش، وجنةً تُنال، ورحمةً تظلّلها في الدارين.  فطوبى لكل أم تبتغي وجه الله، ولها عند الله من الكرامة ما يعجز القلم عن وصفه.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل