حكومة لبنان تلاقي نتنياهو على تجريد المنطقة من سلاحها

الأربعاء 03 أيلول , 2025 01:31 توقيت بيروت مقالات مختارة

 

وأخيراً اتّخذت الحكومة قرارها “الجريء” بحصر السلاح بيد “الدولة”، ونزع سلاح المقاومة، لكن لتدميره. فهل سلاح المقاومة سلاح لدولة أجنبيّة، وهل المقاومة أتت من المرّيخ؟ إنّ سلاح المقاومة هو سلاح للدولة لكن ليس للحكومة إلّا بقدر ما تتبنّاه على طريقة ما هو جارٍ في العراق بالنسبة إلى الحشد الشعبيّ.
وتطرح مسألة الشرعيّة واللاشرعيّة بالنسبة إلى السلاح، فالسلاح الشرعيّ، في نظر الحكومة، هو السلاح الذي لا يُرفع بوجه العدوّ. أمّا السلاح غير الشرعيّ فهو الذي واجه العدوّ وطرده من لبنان وأفشل إعادة سيطرته عليه!
إنّ هذا منطق غريب عجيب، إنّ الدولة ليست السلطة لتقرّر الشرعيّة واللاشرعيّة بناءً على ما تراه وتقرّره، الدولة شعب يسكن أرضاً وتنبثق عنه مؤسّسات. هذه المؤسّسات يجب أن تمثّل الشعب وتدافع عنه وتستجيب لانتظاراته، فإذا لم تقم بذلك تفقد شرعيّتها ويصبح عليها أن تتنحّى ليأتي الشعب بغيرها.
فالجهة الشرعيّة هي التي تقوم بالواجبات المذكورة، فإذا قام بها فصيل معيّن يكون هو الحائز على الشرعيّة، وليس المتفرّجون والمفرّطون ناهيك بالمتآمرين.
إنّ السلطة اللبنانيّة، التي تترك الأرض سائبة، والشعب تحت رحمة العدوّ، لا تكون شرعيّة. ورغم هذا هي تتّخذ قراراً بنزع إمكانيّات أولئك الذين حموا الوطن عندما تخاذلت السلطات، اتّخذته في زمن شديد الخطورة، زمن الهجمة الصهيونيّة على البشر والحجر وزمن التهديد التكفيريّ المرابط على الحدود ينتظر لحظة نزع السلاح لينقضّ.
لقد أتى قرار الحكومة في الوقت الذي شرع فيه نتنياهو بتجريد المنطقة من سلاحها، فبدأ بسورية التي تركها واقفة تتفرّج عاجزة على توغّلاته وعلى تدخّله بشؤونها الداخليّة، فيسمح ويمنع ويصنّف السكّان ويفرض حمايته… وجعلها مكشوفة أمام عصابات القتل والسبي التي كانت سابقاً حليفة موضوعيّة أو فعليّة لسلطتها الحاضرة.
إنّ هذا القرار ليس غريباً على حكومة كسائر الحكومات التي عرفها لبنان منذ استقلاله؛ فالسلطات اللبنانيّة لم تكن تواجه هجمات العدوّ على لبنان منذ ما قبل إنشاء كيانه، من مجزرة حولا (1948)، مروراً باجتياحات الستينيّات، إلى تدمير طائرات الميدل أيست (1968)، إلى اجتياح 1978، إلى اجتياح 1982، إلى عدوان تمّوز 2006… إلى كلّ الانتهاكات الحديثة التي لمّا تتوقّف، فيما كانت السلطات اللبنانيّة تتلهّى بالمحاولات الديبلوماسيّة التي لم تنتج إلّا القرار 425 (1978) الذي قضى بانسحاب الجيش الصهيونيّ من لبنان، والذي لم يُقِم العدوّ له أيّ وزن.
في سنة 1948، كما تقول المصادر الصهيونيّة، احتلّت عصاباتهم خمس عشرة قرية لبنانيّة هي الآتية: “علمان، القصير، القنطرة، العديسة، الطيبة، كفركلا، مركبا، بني حيّان، طلوسة، دير سريان، حولا، ميس الجبل، محيبيب، ربّ ثلاثين، بليدا”. أمّا قرية يارون التي لم يحتلّها الجيش الصهيونيّ، فكان يرسل إليها الدوريّات. وقد تمّت السيطرة على هذه القرى “بسهولة وبسرعة من دون خسائر بشريّة، وأحياناً أيضاً دون معارك” . وكانت السلطة اللبنانيّة تخفي حقيقة هذا الاحتلال عن الشعب.
كما احتلّ العدوّ مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ما بين 1967 و1989، ولم تحرّك السلطة ساكناً. بينما كانت، كلّما قدرت، تلاحق من يحاول المقاومة، إلى أن فرضت المقاومة الفلسطينيّة نفسها، وأصبحت أمراً واقعاً.
ثمّ تفاقمت الاعتداءات الصهيونيّة ولم تكن الحكومات وبالتالي الجيش معنيّاً بها، بل خاض معارك متعدّدة ضدّ الفدائيّين الفلسطينيّين. ولم يحاول أن يحمي لا اللبنانيّين ولا الشخصيّات السياسيّة الفلسطينيّة، حتّى أنّ وحدة صهيونيّة وصلت إلى منطقة فردان في بيروت وقتلت ثلاثة من القادة الفلسطينيّين: كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار، أيّام حكومة صائب سلام سنة 1973.
وبعد إجبار المقاومة الفلسطينيّة على الخروج من لبنان، ارتُكبت على أيدي “القوّات اللبنانيّة”، محميّة ومدعومة من الجيش الصهيونيّ الذي كان يحتلّ بيروت، أبشع مجزرة في العصر الحديث ضدّ المدنيّين الفلسطينيّين الذين كانوا قد أصبحوا عزّلاً، بعد رحيل المقاتلين.
ونشطت مقاومات لبنانيّة إلى جانب المقاومة الفلسطينيّة، واستطاعت المقاومة أن تطرد العدوّ من كامل الأرض اللبنانيّة وتنجز التحرير بدون قيد أو شرط. هذا التحرير جرى بدون مشاركة تذكر من قبل السلطات الرسميّة منذ الاحتلال حتّى اندحار العدوّ، اللهمّ إلّا دعم الرئيس المقاوم إميل لحّود.
ثمّ شنّ العدوّ عدوان تمّوز (2006)، وتصدّت له المقاومة وأفشلته. وقد كشفت وثائق ويكيلكس توسّل عدة من “القادة والقائدات” اللبنانيّين بالسفير الأميركيّ كي تدفع بلاده الجيش الصهيونيّ إلى متابعة عدوانه حتّى سحق المقاومة.
في مشوارها “الاستقلاليّ”، لم تشأ السلطة اللبنانيّة أن تقيم جيشاً يستطيع حماية لبنان رغم وجود العدوّ على حدوده ورغم تهديداته وغزواته المتكرّرة. وحتّى في حرب فلسطين (1948)، لم ينخرط الجيش اللبنانيّ في المعارك، وكانت حجّة قيادته أنّه جيش دفاعيّ، لكنّه عندما غُزيت الأرض وضربت المرافق لم يهاجم ولم يدافع. ثمّ إنّ معركة المالكيّة، التي قاد المفرزة اللبنانيّة فيها النقيب الشهيد محمّد زغيب، لم تجرِ بأمر من قيادة الجيش، بل كان النقيب الشهيد قد تطوّع في جيش الإنقاذ وخاض المعركة تحت لوائه .
ويحدّثونك عن الدولة القويّة القادرة، التي وعد بها البيان الوزاريّ، ولا ندري بأيّ أدوات ستُبنى؛ فالجيش لا يمتلك من الأسلحة ما تمتلكه بعض عصابات المجرمين، والولايات المتّحدة الأميركيّة والغرب يمنعان تسليحه إلّا بما يستخدمه في الأمن الداخليّ. فهل ستجرؤ السلطة الحاليّة أن تغادر الخيمة الأميركيّة التي يفترش العدوّ الصهيوني صدارتها، وتبحث عن السلاح؟ هل ستتوجّه مثلاً إلى روسيا أو الصين أو غيرهما؟
إنّنا متيقّنون أنها لا تجسر إلّا على التذلّل للأميركييّن الذين أعطوا العدوّ الصهيونيّ الإذن باستمرار قتل اللبنانيّن وتدمير منازلهم ومؤسّساتهم، ولم يبدوا أي استعداد لمفاتحة “إسرائيل” بما ترجوه منها حكومتنا.
لو كانت السلطة كما يجب أن تكون، لا أقول في دولة قويّة ولا في دولة ثوريّة، بل في دولة بحجم لبنان وكانت سلطة حتّى تقليديّة، لبحثت عن الوسيلة الجدّيّة لحماية بلدها وشعبه؛ والوسيلة الجدّيّة، تقوم على الاعتذار من أميركا ومغادرة سطوتها، والانفتاح على المقاومة والبحث معها في وسائل الدفاع عن البلد، وتوزّع الأدوار معها، بحيث يحصل الجيش على السلاح الذي لا تحوزه المقاومة والذي لا تستطيع حيازته، كالدفاع الجوّي ـ وهي فكرة تعود إلى الدكتور ألبير منصورـ وغيره من الأسلحة التي تمكّنه من الصمود عندما يهاجم العدوّ، فيما تقوم المقاومة بعمليّات الكرّ والفرّ والقصف بالصواريخ وتوجيه الضربات للعدوّ من حيث لا يحتسب. وذلك إلى أن تتكامل استعدادات الجيش ويمتلك القوّة القتاليّة الكافية لمواجهة العدوّ وسائر الأخطار الخارجيّة، عندها يعود شباب المقاومة إلى جامعاتهم ومدارسهم ومؤسّساتهم، إلى بيوتهم وعائلاتهم وأطفالهم.
إنّ المطلوب اليوم هو التكامل بين الجيش والمقاومة على أن يساندهما الشعب المهيّأ والمعبّأ والمدرّب على الطريقة السويسريّة.
وربّما كانت العودة إلى خدمة العلم من أفضل الوسائل لتدريب المواطنين، وتلافي مشكلة النقص في العديد، وتجاوز الاعتبارات الطائفيّة، التي تشكّل قيداً على زيادة حجم الجيش.

 

د. محمّد طيّ ـ البناء

 

1 ـ إسحاق موداعي، عمليّة حيرام، ، الجيش”الإسرائيليّ”، هيئة الأركان، شعبة العمليّات، التوجيه التاريخيّ، ص9، نقلاً عن رؤفين أرليخ، المتاهة اللبنانيّة، تعريب محمّد بدير، دون دار نشر، 2017، ص 234.
2 ـ راجع كامل جابر، دوريّة “المناطق”، 14/2/2024، وأرليخ، مذكور سابقاً، ص 218.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل