مزاعم وتضليل و... حقائق!

السبت 23 آب , 2025 08:36 توقيت بيروت مقالات مختارة

الثبات ـ مقالات مختارة

في خدمة تبرير وتسهيل نزع سلاح المقاومة، تُسخَّر مجموعة من الحملات السياسية والإعلامية على مدار الأيام والأسابيع والأشهر المتعاقبة. تجنَّد، لهذا الغرض، قوى خارجية وإقليمية ومحلية عبر أوركسترا تقودها واشنطن وتعزف ألحان الترهيب المعجَّل المكرَّر المقترن بالدم والاحتلال واستمرار الاغتيالات والدمار، ومنع الإعمار... وكذلك وعود الترغيب المؤجل المقترن بالحصرية والاحتكار الوقح والحصار الخانق وفق قاعدة: «لا بيرحمك ولا بيترك رحمه الله تنزل عليك»!

الحلف الرباعي الذي ينخرط في هذه العملية، والذي تقوده واشنطن كما ذكرنا، هو، من الإدارة الأميركية، العدو الإسرائيلي، المحور السعودي، وفريق داخلي يتكون من السلطة الجديدة واليمين التقليدي العنصري، بجناحيه الفاشي والليبرالي، إلى مرتزقة معظم الإعلام والسفارات وزمرة مدّعي التغيير الذين ركبوا موجة النقمة على منظومة المحاصصة بعد الانهيار العميم...

نتوقّف عند بعض أبرز محاور أو عناوين هذه الحملة التي تزداد ضراوة ووقاحة من قبل أطراف الحملة الخارجيين والمحليين:
- المحور الأول: هو الادعاء الشامل والمتكرّر بأن كل الوثائق والقرارات والاتفاقيات في كل الأوقات والمراحل، قد أكَّدت «حصرية السلاح» في يد الدولة اللبنانية. تُبتكر، لهذا الغرض، مزاعم من نوع أن «اتفاق الطائف» قد شدد على حصر السلاح في يد الدولة. يردِّد هذا الكلام، خصوصاً، رئيسا الجمهورية والوزارة بزعم أنه حجة دامغة قائمة في صلب «تسوية الطائف» التي ما تزال موضع توافق، ولو معلن وشكلي، بين كل الأطراف اللبنانية.

هذا رغم أن كل طرف ينظر إليها غالباً، في التطبيق والتفسير، من زاوية فئوية وغير صحيحة ومتعارضة مع جوهر تلك التسوية، وهو إصلاح النظام السياسي بتحرير الإدارة والسلطة فيه، من القيد الطائفي، وإحالة الهواجس الطائفية إلى «مجلس شيوخ» مستحدث ومحدود ومحصور الصلاحيات (المواد 22 و24 و95 دستور). إيراد ذلك للتأكيد: أولاً، بأن دستور اتفاق «الطائف» لم يوضع موضع التنفيذ في أكثر من بند وحقل ومسألة.

ثانياً، لأن السلاح، المعني آنذاك، كان سلاح الميليشيات الداخلية التي كانت منخرطة في الحرب الأهلية. أمّا موضوع سلاح المقاومة، فقد أُجِّل النظر في أمره إلى مرحلة ما بعد الاستئناس برأي واشنطن، لجهة وعودها التي قطعتها كجزء من تسوية «الطائف» نفسها، بحمل العدو الإسرائيلي على تنفيذ القرار 425 القاضي بسحب جيشه من لبنان.

معروف أن وفداً من رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة في سلطة «الطائف» الجديدة، قد ذهب إلى واشنطن وقابل الرئيس الأميركي وعاد بـ«خفي حنين»! التعنّت الإسرائيلي المدعوم من واشنطن، جعل استمرار المقاومة وسلاحها واجباً، وليس مجرد حق فقط (رغم ضغوط مورست لحصر المقاومة، فعلياً، في طرف واحد متفاعل مع أحد أركان فريق الوصاية، وهو السلطة السورية بالتحديد).

في السياق، دخلت المقاومة، إلى وظيفتها التحريرية، طرفاً في معادلة الصراع بين سوريا والعدو الإسرائيلي خصوصاً. وهي بكفاءة وتضحيات مجاهديها، وبدعم إيراني مؤثر، استطاعت عام 2000 أن تلعب الدور الرئيسي في فرض انسحاب مذل على العدو من معظم المناطق التي يحتلها باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقسم من بلدة «الغجر»، فضلاً عن نقاط متنازع عليها في الترسيم. حصر السلاح في يد قوى السلطة، إذاً، كان في حينه موجهاً ضد سلاح الحرب الأهلية. وقد تمَّ نزعه بالفعل باستثناء سلاح «القوات اللبنانية» التي ناورت وحوَّلت مشاركتها المعلنة في التسوية إلى وسيلة لتصفية خصومها السياسيين وأبرزهم التيار العوني، وحلفائها المنافسين عبر اغتيال أبرزهم: داني شمعون (وعائلته).

في العودة إلى النصوص نقرأ في «وثيقة الوفاق الوطني في الطائف»: «ثالثاً: تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي:
استعادة سلطة الدولة حتى الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً تتطلب الآتي:
أ - العمل على تنفيذ القرار 425 وسائر قرارات مجلس الأمن الدولي القاضية بإزالة الاحتلال الإسرائيلي إزالة شاملة.
ب- التمسك باتفاقية الهدنة الموقعة في 23 آذار 1949.
ج- اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي...».

العدو لم ينسحب. استمرت المقاومة بسبب استمرار الاحتلال وعدم التزام واشنطن بوعودها، كما أشرنا. المقاومة تلك باتت مشرعنة في كل البيانات الوزارية حتى بعد تحرير عام 2000 بسبب بقاء بعض المواقع المحتلة من قبل العدو. كانت المقاومة شرعية، بل كانت هي الشرعية الوطنية الأساسية في ظل تمادي عجز السلطة عن إدارة البلد أولاً، وعن فرض الانسحاب الكامل وغير المشروط للجيش الإسرائيلي من لبنان!
هل يُختصر كل ذلك بأن «الطائف» نصَّ على «حصرية السلاح» كما يردد الرئيسان عون وسلام في مبراراتهما: وبطريقة واثقة يُحسدان عليها؟

يتصل بذلك، لجهة الأهداف، تصوير سلاح المقاومة بأن لا وظيفة وطنية له. وأنه يتحرك فقط بتوجيه كامل من القيادة الإيرانية ولخدمة سياساتها «المزعزعة للاستقرار في المنطقة» كما تردد واشنطن ويردد أتباعها الدوليون والإقليميون. وهو دور يصنّف «إرهابياً» بامتياز عندما يتعلّق الأمر بدعمه لكفاح الشعب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني الذي نشأ واستمر بالاغتصاب والمجازر وصولاً إلى حرب الإبادة الهمجية والمروعة الراهنة.

أمّا في الداخل اللبناني، فنقع على مشهد يجمع بين السوريالية والفجور! فكأن إسرائيل لم تحتل لبنان، وكأنها لم تحتل العاصمة بيروت وترتكب المجازر فيها. وكأنها لم تمتنع عن تنفيذ القرار 425 طوال 22 سنة حتى أمكن فرض انسحابها بقوة المقاومة: بدءاً من عام 1985 حتى عام 2000! هذا ما ورد على لسان عدد من السياسيين الذين استنفرتهم أو استنسختهم قناة «العربية» السعودية تمهيداً للزيارة الأخيرة للمبعوث الأميركي توم برَّاك إلى بيروت.

نخص بالذكر منهم الكاردينال بشارة الراعي الذي ألح على أن سلاح «حزب الله» المقدم من إيران هو من أجل «الاستقواء» الداخلي ليس إلا. أمّا عن قائد ميليشيا «القوات اللبنانية» سمير جعجع، فحدّث ولا حرج!

تزوير الوقائع لم يقتصر على عنوان «الطائف» وحده. ثمة عناوين أُخرى تم تسخيرها، هي أيضاً، للتضليل والتشويه، وسنعود إليها لاحقاً. كل ذلك في ظل استمرار الإبادة الهمجية ضد الشعب الفلسطيني، وفي ظل مجاهرة القيادة الفاشية الصهيونية بمباشرة تنفيذها لمشروع «إسرائيل الكبرى» في المنطقة والذي يشمل لبنان أيضاً!

سعد الله مزرعاني


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل