كذبة الإعلام الغربي: إبراهيم تراوري نموذجاً

الجمعة 22 آب , 2025 09:41 توقيت بيروت دولــي

الثبات ـ دولي

يدأب الإعلام الغربي على أبلسة إبراهيم تراوري، الرئيس الشاب لبوركينا فاسو الذي وصل إلى الحكم عام 2022، متموضعاً كصوت ثوري جديد في أفريقيا. بخطاباته الحادة، يهاجم تراوري هذا الإعلام الذي يكرّس عقدة الدونية لدى شعوب القارة، متبنياً سياسات جذرية ورابطاً بين الاستعمار الجديد والإرهاب


أكاد أجهل كل شيء عن بوركينا فاسو، البلد الأفريقي في شمالي غرب أفريقيا، ولو سئلت، سأعجز عن تحديد مكانه على الخريطة. لكنني وقعت على خطابات إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو الذي جاء إلى الحكم عام 2022 عبر انقلاب وكان لا يتعدى الـ 33 عاماً. خطابات هذا الرجل تستحق أن تترجم وتجمع في كتاب، بما هي دروس في كيفية مقارعة الإمبريالية ومخاطبة الإعلام الغربي.

مقارعة إعلام الهيمنة

««سي. إن. إن»، و«بي. بي. سي»، و«فرانس 24» أنا أراقبكم جميعاً، وأسجل كل كذبة، وأؤرشف كل تحريف. أنا إبراهيم تراوري واليوم أخلع أقنعتكم» قال في خطاب ألقاه أمام صحافيين من مؤسسات إعلامية دولية. «نعم لقد سمعتموني جيداً، أنا من تصفونه بزعيم الميليشيا الشاب، وبأنني متطرف خطير، وديكتاتور معادٍ للغرب، سأخبر الحقيقة وسيسمعها ملايين البشر من دون المرور عبر فلاتركم وتشويهاتكم وأكاذيبكم».

تراوري هو الذي قال في إحدى مقابلاته إنّه نادم على الوقت الذي أضاعه في صباه يستمع إلى القنوات الغربية، الفرنسية منها بالأخص، ويكمل قائلاً: «ترعرعت على أكاذيبكم. عندما كنت طفلاً كنت أشاهد أفريقيا على التلفزيون. الصور ذاتها دائماً: أطفال يحوم حولهم الذباب، أراضٍ جافة، أسلحة، موت. قلتم لنا هذه هي أفريقيا وصدقنا. كنا نخجل من أنفسنا، ومن أرضنا وشعبنا.

ثم كبرت وقرأت وبحثت وشكّكت، وفهمتُ أن أفريقيا التي عرضتموها لنا لم تكن حقيقية، وأن القصة التي رويتموها لنا كانت كذبة، وأن المصير الذي فرضتموه علينا كان سيناريو من تأليفكم».

عبد الناصر... أفريقيا

هو جاء من صفوف الجيش لكن مع كاريزما عالية، وخلفية يسارية، وتأثراً بالثوري الماركسي توماس سانكارا، الرئيس الأسبق لبوركينا فاسو، الذي يعتبر كثيرون اليوم أن تراوري خليفة له. سانكارا كان اشتهر بمقولة «علينا أن نختار، إما أن تشرب قلةُ منا الشامبانيا أو أن يشرب الجميع مياهاً آمنة». وإذا كان سانكارا يلقب بتشي غيفارا أفريقيا، فإن تراوري هو «عبد ناصرها الجديد».

في أشهر قليلة من تسلّمه السلطة، طرد تراوري الجنود الفرنسيين من أرضه، ورفض دعوة لزيارة الولايات المتحدة. كما أعلن تأميم مناجم الذهب، مستعيداً مليارات الدولارات التي كانت تذهب للشركات الغربية، وأنشأ أول مصفاة ذهب في البلاد، ووضع برنامجاً اقتصادياً طموحاً يقوم على الاعتماد على الذات.

كذلك، جعل جيرانه في مالي والنيجر يحذون حذوه، وقد أسّست الدول الثلاث تحالفاً للدفاع المشترك تحت اسم «كونفدرالية دول الساحل»، وهو يناقش الآن إمكانية التكامل الاقتصادي والنقدي أيضاً.

الاستعمار والإرهاب... وجهان لعملة واحدة

في معظم خطاباته، يتوجه تراوري مباشرة إلى شعبه وشعوب أفريقيا، ويحدّثهم كواحد منهم. يقول لهم كيف إنّ الذهب في أفريقيا يتدفق كالأنهار وإنّ القارة توفر 30% من إنتاج الذهب العالمي، لكن شعوبها ترزح تحت خط الفقر. في أحد خطاباته، توجه إلى القادة الأفريقيين ودعاهم إلى التوقف عن التصرف كدمى راقصة تحرّكها الإمبريالية.

يواجه تراوري تحديات كثيرة محلية وخارجية، ليس أقلّها احتمال اغتياله، والهجمات الإرهابية التي تقودها تنظيمات «القاعدة» و«داعش». لكن محاربته للإرهاب لا تفقده البوصلة وهو القائل إن «الاستعمار الجديد والإرهاب ظاهرتان مترابطتان، وإن الإرهاب مظهر من مظاهر الاستعمار».

ليس الرجل بملاك، وهو يستعيض في مقارعته الإمبريالية بالتقرب من روسيا. لكن لست هنا في صدد الحكم عليه. المهم هنا هو التعارض الصارخ بين خطاباته وإنجازاته، وتلك الاستماتة في الإعلام الغربي لشيطنته. لن يصعب على القارئ العربي التعرف إلى هذا القائد عبر خطاباته مباشرة، فهو يتحدث غالباً إما بالفرنسية أو بالإنكليزية، ومقارنتها مع ما يكتب عنه في الصحافة الغربية.

«نيويورك تايمز» تكذب وتزيّف

في معرض تشويهها لصورة تراوري، أشارت «نيويورك تايمز» الى أنّ بوركينا فاسو كانت يوماً تُعرف بمهرجانها السينمائي الدولي وساحتها الفنية، لتوحي بأنّ تراوري مسؤول عن انحداره. ولكن الصحيفة لا تشير طبعاً إلى أنّ ذاك المجد الذي تتحدث عنه كان في عهد الحكم الثوري لتوماس سانكارا (عدو الغرب) وبدفع منه، وبأن كثيرين يعتبرون تراوري نسخة عن سانكارا.

وقد افتتح تراوري أخيراً ضريحاً لسانكارا في العاصمة أوغادوغو، تكريماً له، معيداً إلى أذهان الناس ثورية ذاك القائد التقدمي. لكن الأهم أنّ الصحيفة، وبكل صلافة تشير إلى خطاب لتراوري، لا بل تضع رابطاً للخطاب، ثم تكذب على المفضوح، معتمدة ربما على أنّ قراءها لا يفهمون الفرنسية.

تقول الصحيفة إن الكابتن تراوري يقوم بإسكات النشطاء والمحامين والصحافيين عبر إجبارهم على التجنيد وإلا فمصيرهم السجن والإخفاء القسري، وزعمت أنّه قال في خطاب ألقاه في شهر أيار (مايو) أمام المجندين: «إما أن تقاتل أو تختفي».

طبعاً، أي عاقل سيشكك في أنه قال ذلك علناً، فقمت بمشاهدة الخطاب كاملاً. إليكم الجملة التي تشير إليها الصحيفة، وترجمتها الحرفية. يقول تراوري: «في التاريخ، تأتي دوماً لحظات تجد الشعوب نفسها في مواجهة وجودية، وليس أمامها سوى إما المواجهة أو الاندثار.

اليوم بوركينا فاسو في مواجهة مصيرية. إنها مسألة وجود». قرر الكاتب بخبث أن يحوّر كلامه عن الشعوب بالمطلق، وعن المواجهة أو الاندثار إلى أنه تهديد للنشطاء بأنه سيقوم بإخفائهم إذا لم يتجندوا في الجيش!

إعلام في خدمة الاستعمار

ربما تأخرت لكنني مثل تراوري، ما عدت أنظر إلى الصحف الغربية إلا بما هي ناطقة باسم الأنظمة ومجنّدة في خدمة الطبقة الحاكمة. كان الأمر جلياً منذ سنوات، وكتب عن ذلك نوام تشومسكي في «الإعلام وصناعة الموافقة» قبل عقود.
لكن بعد غزة، صارت هذه القنوات مقزّزة. عندما تقذف «نيويورك تايمز» أو الـ «إيكونومست» أو الـ «بي. بي. سي» أو غيرها بأبشع النعوت على شخص ما، كل ما في الأمر، على الأرجح، أن هذا الشخص معاد للإمبريالية والاستعمار والاحتلال.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل