الثبات ـ دولي
تحدّثت صحيفة "فيننشال تايمز" البريطانية، في تقرير اليوم الاثنين، عن أزمة الديون وانعكاساتها على التنمية والتي تواجه "الدول النامية"، مؤكّدةً الحاجة الملحة لإعادة النظر في الهياكل المالية التي تُخَيِّب آمال مليارات البشر.
وزعم البعض أنّ مشكلة الديون في "العالم النامي" آخذة في التلاشي، ولكن في الواقع، أصبح الوضع في العديد من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل (LLMICs) أكثر عمقاً ورسوخاً، وفق الصحيفة.
وأشارت إلى أنّه في حين أن هذه البلدان قد لا تتخلّف عن سداد ديونها، إلا أنها تتخلّف عن سداد التنمية. وبسبب نقص السيولة، تُحوّل الحكومات مواردها العامّة الثمينة بعيداً عن التعليم والصحة والبنية التحتية والتكيّف مع المناخ لخدمة الديون المتعاقد عليها سابقاً.
وكشفت البيانات الحديثة الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أن 54 دولة تنفق أكثر من 10% من عائداتها الضريبية على مدفوعات الفوائد وحدها، مشيرةً إلى تضاعف متوسط عبء الفوائد على "البلدان النامية"، كنسبة من عائدات الضرائب، تقريباً منذ عام 2011.
وأوضحت الصحيفة أنّ أكثر من 3.3 مليارات شخص يعيشون في بلدان تنفق على خدمة الديون أكثر مما تنفقه على الصحة، و2.1 مليار شخص يعيشون في بلدان تنفق على الديون أكثر مما تنفقه على التعليم.
وشدّدت "فيننشال تايمز" على أنّ هذا ليس طريقاً نحو التنمية المستدامة، بل إن هذا الدين يُشكّل عائقاً.
ولفتت إلى أنّ ذلك يحدث في وقتٍ ترتفع فيه تكاليف الاقتراض بشكل حادّ، إذ إنّ الديون التي تقلّصت في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، عندما انخفضت أسعار الفائدة إلى ما يقرب من الصفر، تُجدّد الآن بأسعار فائدة أعلى بكثير.
وعلى الرغم من تراجع فروق العائد منذ "كوفيد-19" واندلاع الحرب في أوكرانيا، لا تزال تكلفة تجديد الديون في أسواق رأس المال اليوم باهظة للغاية بالنسبة للعديد من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، بحسب الصحيفة.
ويزيد من تفاقم الأزمة ضعف البيئة الاقتصادية العالمية. كما يؤدي تباطؤ النمو إلى تقويض استدامة الدين، مما يعمّق الأزمة.
فشل منهجي
وأكدت الصحيفة أنّ أزمة اليوم تعكس فشلاً منهجياً، يكمن في استمرار عدم تناسق تدفّقات رأس المال العالمية.
وأوضحت أنّه في حين يميل رأس المال إلى التدفّق بشكل معاكس للدورة الاقتصادية إلى الاقتصادات المتقدّمة - داعماً إياها في فترات الركود - فإنه يتدفّق بشكل مواكب للدورة الاقتصادية إلى "الدول النامية"، مما يُفاقم الصدمات.
وتطرح الصحيفة هنا تساؤلاً عن النتيجة، وتجيب أنّ التحويلات الخارجية الصافية أصبحت سلبية.
وذكرت أنه في عام 2023 وحده، شهدت البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل (باستثناء الصين) تدفّقاً صافياً إلى القطاع الخاص بقيمة 30 مليار دولار أميركي على الديون طويلة الأجل، معتبرةً أنّه تحسّن طفيف مقارنةً بما يقارب 50 مليار دولار أميركي في عام 2022، ولكنه لا يزال يُمثّل "استنزافاً كبيراً للتنمية".
وشدّدت الصحيفة على أنّ المؤسسات متعددة الأطراف تعاني من قصور، مشيرةً إلى انهيار التحويلات الصافية من صندوق النقد الدولي إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل - التي ارتفعت بشكل كبير خلال الجائحة - الآن.
وقالت إنّه من "تحويل إيجابي قدره 22 مليار دولار أميركي في عام 2020، انخفض الصافي إلى الصفر في عام 2022، وإلى سالب 5 مليارات دولار أميركي في عام 2023"، ويُعزى ذلك إلى انخفاض المدفوعات والارتفاع الهائل في مدفوعات الفوائد.
سياسات الدين الحالية تخدم الأسواق لا الشعوب
وتحدّثت "فيننشال تايمز" عن إجماع متزايد بين الخبراء على أنّ سياسات الدين الحالية في العديد من "البلدان النامية" تخدم الأسواق المالية، لا الشعوب.
وأكدت الصحيفة أنّ هذا يُهدّد بالحكم على دول بأكملها بعقد ضائع - أو ما هو أسوأ، موضحةً أنّ عقداً ضائعاً أو أكثر لبعض أفقر الناس وأكثرهم ضعفاً "أمرٌ لا يستطيع العالم تحمّله".
ودعت الصحيفة إلى أن "يتجاوز النقاش سرديات النجاح الضيّقة القائمة على تجنّب التخلّف عن السداد المالي فحسب، بل يجب أن يعكس الواقع المعيشي لمليارات البشر الذين يُرهَن مستقبلهم لخدمة ديون قديمة بشروط غير مستدامة".
ودعت إلى البدء بمعالجة العيوب الجوهرية في البنية العالمية التي أدّت إلى أزمات ديون وتنمية متكرّرة.