بداية الغرق الصهيوني على ضفاف الضفة الغربية _ أمين أبوراشد

الجمعة 24 كانون الثاني , 2025 01:52 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كان من الطبيعي أن تعجز حكومة بنيامين نتانياهو عن تحديد "اليوم التالي" في قطاع غزة، رغم حرب الإبادة التي دامت خمسة عشر شهراً، ربما لأن بوادر مقاومة فلسطينية أخرى كانت تلوح من الضفة الغربية بأن المواجهة ستنتقل إلى هناك، لا بل إن "أمّهات المعارك" ستكون هناك، حيث المستوطنات الصهيونية تتداخل مع المدن والبلدات الفلسطينية، سيما أن وزير المالية العنصري يتسئيل سيموترتش، يُسارع في التوقيع والتمويل لخطط بناء مستوطنات جديدة، سواء في الضفة الغربية، أو في القدس الشرقية التي يُتوقَّع أن تبنى فيها حوالي تسعة آلاف وحدة استيطانية.

لقد سبق للجيش الصهيوني أن تهيَّب الدخول في معارك الضفة الغربية، لأن الطبيعة الجغرافية والديمغرافية فيها تختلف عن قطاع غزة الخالي من المستوطنات منذ العام 2005، وبالتالي خاض كل المعارك البرية في القطاع بعيداً عن مستوطنيه، ومارس كل أنواع التدمير والتهجير والقتل والتجويع ولم يحقق أهدافه، لا بالقضاء على حماس ولا بتحرير الرهائن بالقوة، لا بل فوجئ "الإسرائيليون" عند تبادل الأسرى منذ أيام، بمقاتلي حماس يظهرون بكامل أسلحتهم، وبسيارات دفع رباعي، وبقوات الأمن الداخلي "الحمساوية" لتنظيم حركة المواطنين، وتأكد للمتابعين أن هؤلاء قَدِموا من "غزة 2"، حيث الأنفاق بمئات الكيلومترات، وعجز جيش العدو عن الوصول إليها.
وإذا كان هذا حال العدو في قطاع محاصر تعداد سكانه نحو المليونين، فإن ما ينتظره في الضفة الغربية - غير المحاصرة لغاية الآن - أكثر من ستة ملايين فلسطيني يختلطون إسكانياً مع المستوطنين اليهود الذين يمتلكون أسلحة فردية، وتمّ خلال العدوان على غزة تزويدهم بسبعة آلاف قطعة إضافية بذريعة حماية أنفسهم من الهجمات، فكانت نتيجة استخدامها للتنكيل بالفلسطينيين والسيطرة على بعض ممتلكاتهم وأرزاقهم، أن ازداد الشارع الفلسطيني غضباً واستعداداً للمواجهة.

قد يكون الموقف "الإسرائيلي" المتناقض داخلياً حول مصير قطاع غزة في اليوم التالي ينتظر انتهاء مراحل تحرير الرهائن، لكنه أيضاً متناقض في لبنان حول الانسحاب الكامل من بعض البُقع الحدودية أو المماطلة بذلك، لأن "إسرائيل" في القطاع تعيش مرارة عدم إمكانية المجازفة بالبحث بين الركام عن أنفاق "غزة 2"، ولا في لبنان تستطيع من خلال فلولها فعل ما عجزت عنه بالطيران والصواريخ والقذائف، ولا عودة آمنة لمستوطني غلاف غزة ما دام القطاع لا يعيش الأمان، ولا لمستوطني الشمال ما دام جنوب لبنان غير آمن لأهله.

وبصرف النظر عن أحلام "إسرائيل" باحتلال الضفة الغربية أو ما تُسمى "يهودا والسامرة"، وبصرف النظر عن وعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانتخابية بوجوب توسعة مساحة الكيان المحتل على حساب فلسطينيي الضفة، فإلى أين سيذهب ستة ملايين فلسطيني بهدف تحقيق الوَهَم "الإسرائيلي"، سواء بقي ترامب على وعوده في دعم المزيد من الاحتلال وتوسعة المستوطنات الصهيونية، أم تراجع لصالح مقولة "لا حروب جديدة" في عهده كما أعلن مؤخراً.

في الخلاصة، المماطلة بالانسحاب من لبنان لن تسمح ليهودي واحد بالعودة إلى المستوطنات الشمالية على الحدود مع لبنان، والمقاومة من مواقعها في شمال الليطاني لديها قدرات من المديات الصاروخية التي تخوِّلها "قضّ المضاجع"، والجيش اللبناني له كامل الحق بتطهير الأرض اللبنانية حتى آخر شبر، والرئيس جوزف عون أخذ معه "زرّ التحكُّم العسكري" إلى بعبدا، ولن يكون لبنان "فشة خلق" لخيبة "إسرائيل" في غزة، والضفة الغربية زاخرة ببنك الأهداف الذي يمتلكه الفلسطينيون في المستوطنات المجاورة لهم، ولن يكون احتلال الضفة نزهة بوجود ثلاثة أضعاف فلسطينيي القطاع والمستوطنات الصهيونية على مرمى حجر منهم، وكما رفض أبناء غزة التهجير إلى سيناء، يرفض أبناء الضفة التهجير إلى الأردن، و"اليوم التالي" للحكومة الصهيونية هو المزيد من التمزُّق الداخلي، والغرق بين رمال القطاع وضفاف الضفة الغربية...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل