أقلام الثبات
ليس من المشكوك فيه ان الولايات المتحدة الاميركية هي الناظم الاول للحرب "الاسرائيلية"، سواء على لبنان او على الشعب الفلسطيني، وكذلك هي الناظم لوقف الحرب، وايضا في لبنان كما في فلسطين؛ غزة والضفة الغربية، حيث بدأ العدوان بصورة جديدة، اذ أطلق جيش الاحتلال "الإسرائيلي" على العملية العسكرية في جنين تسمية "السور الحديدي"، في إيحاء إلى العملية العسكرية "السور الواقي"، في العام 2002، واجتاح الجيش "الإسرائيلي" خلالها الضفة الغربية من شمالها إلى جنوبها، فيما ترددت أنباء اليوم عن إغلاق مداخل العديد من مدن وبلدات وقرى فلسطينية في الضفة.
في لبنان بلغ الضغط الاميركي ذروته، مع تنصل ضمني من فرض وقف النار وموجباته، بحيث تجاوزت الخروق "الاسرائيلية" اقصى الحدود من تدمير منهجي للقرى الجنوبية ومنازل ومؤسسات تجارية, وبناها التحتية، تحت اعين لجنة مراقبة وقف النار التي يقودها الجنرال الاميركي جاسبر جيفرز، وقوات الامم المتحدة، ليس مجرد شهود زور، او على الاقل لفت نظر، إنما شركاء كاملي الاوصاف في العدوان المستمر، وهذا ما يثبت مجددا وتكرارا, الا معنى لاي اتفاق او تفاهم مع الاحتلال ما دامت الولايات المتحدة الحاصنة للكيان على كل المستويات، سواء كانت الادارة الاميركية من الحزب الديمقراطي او الحزب الجمهوري.
بضعة ايام وتنهي مهلة الايام الستين لجلاء القوات المحتلة ارض الجنوب, هذا في الاتفاق، اما في الواقع فان مجموعة تسريبات "اسرائيلية" انتشرت بان حكومة الارهابي بنيامين نتنياهو تريد تمديد فترة الاحتلال كما انها تريد الاحتفاظ بثلاث تلال حاكمة داخل الاراضي اللبنانية, كما ان رئيس الاركان هرتسي هاليفي أوعز قبل يوم واحد من تقديم استقالته طالبا ان تبدأ مطلع اذار، ببلورة الخطط العسكرية لمواصلة القتال في قطاع غزة ولبنان، وفي أعقاب استقالة هليفي، أبلغ قائد القيادة الجنوبية للجيش "الإسرائيلي"، يارون فينكلمان، هليفي باستقالته من الجيش "الإسرائيلي"، وسط تقديرات "إسرائيلية" بأن قائدي سلاحي الجو والبحرية على وشك الاستقالة من منصبيهما.
وتأتي الاستقالات "انطلاقاً من الاعتراف بفشل الجيش الإسرائيلي في السابع من أكتوبر، وفي النقطة الزمنية التي سجل فيها الجيش الإسرائيلي إنجازات كبيرة، ويتواجد في عملية تطبيق الاتفاق لتحرير المخطوفين". وقال هليفي إنه "في الفترة المتبقية سأستكمل التحقيقات (في إخفاقات الجيش) وسأعزز جهوزية الجيش الإسرائيلي لمواجهة التحديات الأمنية. وسأنقل قيادة الجيش الإسرائيلي بصورة نوعية وجذرية إلى خلفي. وقد نقلت رسالة (الاستقالة) إلى وزير الأمن ورئيس الحكومة".
من غير الواضح لماذا لم يتجرأ اي مسؤول رسمي او سياسي من الذين يرغون ويزبدون في السيادة، كما الزجالون في التحدي، ان يلفت الى ما يجري من عدوان وانتهاكات ولو ببيان، وهو ما يفسره البعض بأن السفارة الاميركية اصدرت "تعليمات", بمنع اصدار اي بيان او إطلاق موقف يشهد صاحبه ضد العدوان "الاسرائيلي"، في إطار تغطية الارتكابات القبيحة التي تعطي صورة حقيقية عن "اسرائيل"، وايضا لكل جهة او شخصية لها علاقة مع الاميركيين من خارج السفارة ايضا .
بعد حين سوف تتظهر الصورة واضحة, مع البيان الوزاري المرتقب، وبلا شك فان القوى التي جاهرت بانها "نعم تستقوي بالخارج" على الشركاء في الوطن الجريح والمكلوم في آن, سواء كان الخارج اميركا, او دولة خليجية, والهدف هو "السلام"، ولو على دماء اكبر شريحة من شرائح الوطن، فان تلك القوى التي ارتضت عن طيب خاطر بان تكون اداة رخيصة ستعمل ما بوسعها كي لا تصنف "اسرائيل" كيانا معاديا, لا بل ستعمد الى العرقلة بدفع اميركي ,اذا لحظ البيان الوزاري حق اللبنانيين في الدفاع عن ارضهم ووطنهم، وعندها يرى الناس, كل الناس، الخيط الابيض كما الخيط الاسود، ومستوى الاحقاد من الساقطين في الامتحان الوطني، ومن الذين اتخموا اللبنانيين بشعارات حب الوطن والانتماء له، لكن من اجل منصب او نفوذ، او حفنة من الدولارات .
اما في فلسطين حيث انتزعت المقاومة اتفاقاً من براثن الوحشين الاميركي و"الاسرائيلي", واظهرت شكيمة, وهذا انعكس جليا في النزاعات "الاسرائيلية" الداخلية على اعلى المستويات كانت اولى نتائجها الاستقالات الجماعية من القيادة العسكرية وعلى رأسها رئيس الاركان بينما يحاول نتنياهو استثمار الوقت , وترويض رافعته الاكثر الدموية, المتمثلة ببن غفير وعصابته الاجرامية , بحيث ترك لهم الباب مفتوحا امام العودة للحكومة , مع استلام الرئيس الاميركي دونالد ترامب لسلطات البيت الابيض .
ليس عجيبا ان تبادر وسائل الاعلام الملتصقة بنتنياهو الى الحديث عن "تعهدات" من الرئيس الاميركي السابق جو بايدن والرئيس الحالي ترامب بان استئناف الحرب على غزة لا يعد خرقا للاتفاق , وبالطبع فان هذا الامر يمكن لاي ادارة ان تبرره بحشو اعلامي عالمي كالعادة، ولعل كلام ترامب نفسه يؤكد ذلك فهو أعلن امام صحافيين من المكتب البيضاوي أثناء توقيعه على أوامر تنفيذية أول أيام فترة رئاسته ، ردا على سؤال بشأن احتمال استمرار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة "لست واثقا، هذه ليست حربنا، بل حربهم".
اعلان ترامب هذا تزامن مع تفسيرات اسرائيلية بان نتنياهو سوف يتهرب من تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق اذ وبموجب التعهد الثاني، فإنه إذا قررت إسرائيل أن المفاوضات حول المرحلة الثانية لا تؤدي إلى النتائج التي تريدها "إسرائيل"، فإن استئناف الحرب لن يُعتبر خرقا للاتفاق.
وقالت القناة 12 إنه في هذه الحالة سيكون بإمكان إسرائيل الادعاء أن حماس لم توافق على "أمور معينة"، ولذلك لن ينفذ الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا). وينص الاتفاق على أن ينسحب الجيش الإسرائيلي من المحور بشكل تدريجي بين الأيام الـ42 والـ50 للاتفاق، الذي خرج إلى حيز التنفيذ الأحد الماضي.
وتدعي إسرائيل أن الانسحاب من فيلادلفيا ليس ملزما من الناحية القانونية، وأن "الانسحاب النهائي في اليوم الـ50 لن يحدث، وأن الحديث عن الانسحاب هو "كلام فارغ" .
وفي السياق نفسه، يرفض مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية الكشف عن النص الكامل للاتفاق، ونشر نص قرار الحكومة بالمصادقة على الاتفاق فقط،
وقال الخبير القانوني، بروفيسور باراك مادينا، ، إن "توجه رئيس الحكومة، بإخفاء تفاصيل الاتفاق مع حماس والامتناع عن المصادقة على الاتفاق كلّه في الحكومة، يثير الاشتباه أنه لا يستند إلى اعتبارات أمن الدولة، وإنما إلى محاولة التهرب من تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، التي يفترض فيها أن .يتحرر 64 مخطوفا" إلى جانب آلاف الأسرى الفلسطينيين.
وفي السياق ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن ستيف ويتكوف مبعوث ترامب للشرق الأوسط يعتزم زيارة قطاع غزة للتأكد من أن ما تعتزم إدارة الرئيس القيام به بشأن اتفاق وقف إطلاق النار، سيتم تنفيذه بشكل صحيح، وأكد ويتكوف أن اتفاق غزة "كان صعبا، وربما يكون تنفيذه أكثر صعوبة".
كل شيء ينذر بان الادارة الاميركية الجديدة كما السابقة, تتحكم بنواصي الحرب والرعاية الكاملة للعدوان وافعاله الشنيعة وتكشف الاجراءات الاولى التي سيتخذها الرئيس الاميركي القديم - الجديد حقيقة لم تكن مخفية وفي هذا الإطار قال مسؤولون إسرائيليون إن ترامب يعتزم خلال الأيام والأسابيع الأولى من ولايته اتخاذ سلسلة من الخطوات المتعلقة بالسياسة الأميركية تجاه إسرائيل والحرب في غزة، بما يشمل إلغاء قرارات اتخذتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن.
ويشمل ذلك إلغاء عقوبات فرضتها إدارة بايدن على مستوطنين متورطين في هجمات إرهابية ضد فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، إضافة إلى رفع الحظر عن شحنة واحدة من القنابل الثقيلة (بزنة طن) لإسرائيل، رغم الدعم الشامل الذي قدمته الإدارة الأميركية السابقة لإسرائيل.
في الخلاصة, فان من يتوهم بان اميركا يمكن ان ترى غير اسرائيل بعينيها, عليه ان يعيد حساباته, فخلال السنة الاولى من الحرب على غزة وقبل العملية البرية "الإسرائيلية" ضد لبنان والتي تحطمت على ابواب الجنوب, فان المساعدات الاميركية الاضافية "لإسرائيل" بلغت 18 مليار دولار, ولم يحصى بعد حجم وقيمة ما الحق بعد ايلول من ادوات القتل وتدمير, فيما تفاخر الادارة الاميركية بانها ستساعد الجيش اللبناني ب 117 مليون دولار, بعد ان يوافق الكونغرس على تحويل المبلغ من المساعدات التي كانت مرصودة لمصر الى لبنان, اي بحساب صغير ان ما منحته الادارة الاميركية "لإسرائيل" ,يساوي 153 سنة اذا انتظم المبلغ مع لبنان.
أميركا.. والحرب على لبنان وفلسطين ـــ يونس عودة
الأربعاء 22 كانون الثاني , 2025 10:32 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة