أقلام الثبات
تتعرض المقاومة وأهلها إلى حرب نفسية وإعلامية، لتحقيق الانهزام النفسي ولترسيخ الاعتقاد بفشلها العسكري والأمني، وقصورها عن الصمود وسلبها كل الإنجازات التي حققتها وتتجاوز كل تضحياتها على مستوى الشهداء والقتال الميداني الأسطوري. ويشارك في هذه الحملة ضمن خطة مبرمجة ومخططة وممّولة، بعض الحاقدين والجاهلين أو الانتهازيين والوصوليين الى رجم المقاومة معنويا، بالتكامل مع الحرب العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية عليها .
يحاول خصوم المقاومة وأعدائها تعميم وترسيخ انهزام المقاومة وخسارتها للحرب، وصولاً إلى توقيعها اتفاق الضرورة (اتفاق تشرين)، والقول انه بمجموعه لصالح العدو "الإسرائيلي"، ويشكو البعض، بدون قصد، سواء بحرصهم أو عاطفتهم على المقاومة أو انفعالهم، من سكوت المقاومة على الاستفزازات "الإسرائيلية" طوال شهري الهدنة، لكن الواقع يدحض هذه الفرضية وهذا الاتهام، فإذا لم تنتصر المقاومة بشكل واضح، فإنها بشكل أكيد لم تنهزم ولم تستسلم، وهي التي فرضت وقف النار بعد 60 يوماً من القتال الكربلائي الأسطوري. ومن مؤشرات ووقائع عدم الهزيمة، بل والانتصار، مع عدم توازن القوى وفق ما يلي:
- إفشال الهجوم البري، فلو أن العدو كان قادراً على استمرار الحرب والتوغل البري، لعمق أكثر، كما فعل في غزة، والتي طالت الحرب "الإسرائيلية" عليها 15 شهرا، ،لأكمل اجتياحه البري ووصل إلى بيروت ثانيةً.
- انتصرت المقاومة، بصمودها وفرضت قرارها، رغم كل الضربات القاسية والطعنات الغادرة التي تلقتها، وبقيت تقاتل في غلاف بري لا يتجاوز عدة كيلومترات، وتواجه جيشاً من 50 ألف جندي مدعوم بمئات الطائرات والمسيّرات، وهي مكشوفة الميدان ومقطوع عليها طرق السلاح، وعليها ان تتسلل داخل لبنان وتغطي سلاحها حتى لا يصادره الجيش او يقطع عليه الطريق قوى سياسية ومذهبية تخاصم المقاومة!
- المنطقة العازلة التي نص عليها "اتفاق تشرين" وردت سابقا في القرار 1701 بعد حرب تموز 2006، واستطاعت المقاومة المماطلة، بتنفيذها مدة 18 عاماً ردّاً على خروقات العدو وعدم التزامه، وبالتالي فهي ليست انهزاماً فرضته ظروف حرب 2024 ولا يمكن اتهام المقاومة بأنها خسرت وتنازلت واستسلمت، وإذا كانت المنطقة العازلة انهزاماً، فلماذا سكت المعترضون عليها طوال 18 عاماً؟ هل لجهلهم بها ام لأن المقاومة كانت قوية فصمتوا ويعتقدون الآن بضعفها وإمكانية جلدها والاستقواء عليها.. فليتوجهوا للدولة والمؤسسات الدولية لحماية لبنان وحفظ كرامته ما داموا يقولون بعبثية المقاومة وهزيمتها.. وماذا فعلوا طوال 60 يوما سوى قصف المقاومة واتهامها بالإضافة إلى سؤالهم؟ من أنتم حتى تحاسبوا المقاومة؟ وماذا فعلتم لطرد العدو؟ وماذا ستفعلون غير اتهام المقاومة؟
- يحاول البعض إجراء مقارنة بين المقاومة في لبنان وتضعيف انجازاتها ودورها ومساهمتها في صمود غزة وبين المقاومة في غزة واعتبارها انها تقدّمت على المقاومة في لبنان سواء لجهة اتفاق وقف النار او لجهة حضورها المسلّح وحصر صمود غزة وعدم هزيمتها، بما قامت بها المقاومة الفلسطينية وتغييب وتجاهل دور المقاومة في لبنان بذلك هي شريكة بكل ما حقّقته المقاومة "الغزّاوية"، بداية بتامين السلاح والتدريب والإسناد واحتضان قياداتها في الضاحية .
يحاول بعض الخبثاء من خصوم المقاومة زيادة الضغط المعنوي والنفسي عليها وعلى أهلها، بالإضافة ولا بد من التوضيح لهؤلاء ،أن المقاومة ليست بوارد التنافس مع احد ،فهي تقوم بواجبها وتتحمّل مسؤولياتها وليست في قاعة امتحان لإثبات جدارتها ولو ان هذه المقاومة لم تؤذ العدو ولم تضغط عليه دفاعاً عن غزة، لما كان بادر للحرب عليها بأعلى مستويات التوحش والثأر الحاقد عليها ،فضربات العدو القاسية والمؤلمة كافية بالرد على هؤلاء الخصوم والساذجين المتسلقين على جراح المقاومة، لطموحات شخصية او بناء لتعليمات خارجية، فمن يلقي 80 طناً من القنابل لاغتيال "السيد الشهيد" ويشن اكثر من الف غارة في ليلة واحدة على لبنان، وصمود وقتال 60 يوما في الميدان يوضح لهؤلاء ما هي قوة المقاومة التي استدعت حشد هذا التحالف الأميركي الدولي، للقضاء عليها، لعجز "اسرائيل" عن ذلك بمفردها.
ستتوسع الحرب النفسية والإعلامية على المقاومة وأهلها ،لأن الحرب لم تنته بعد واستهداف المقاومة مستمر سياسيا واقتصاديا واعلاميا ،لإخراجها من السلطة اولاً واخراجها من دائرة الاحتضان والحماية الشعبية وكسر الثقة بها وبجدوى بقائها.
على المقاومة، المبادرة لمواجهة هذه الحرب النفسية ، بوسائل وشخصيات تتناسب معها وتستطيع التغلّب عليها وعدم ترك اهل المقاومة عرضة لاجتياح اعلامي لعقولهم من شاشات عدوّة او حاقدة ،والمسارعة لإعادة بناء اعلام مقاوم يتناسب مع المرحلة وعدم المراوحة في دائرة الإعلام الجامد والنمطي السطحي الذي يحاكي ويمدح نفسه.
لتبادر المقاومة إلى بناء مقاومة ثقافية وإعلامية غير محصورة بطائفتها او تنظيمها، بل تشمل كل الوطنيين المؤيدين للمقاومة والمعادين "لإسرائيل"، ودعم والتنسيق مع كل المواقع الإلكترونية الصديقة والمؤيدة بالتلازم مع دعمها وحفظ استقلاليتها.
الحرب النفسية والإعلامية على المقاومة ــ د. نسيب حطيط
الثلاثاء 21 كانون الثاني , 2025 01:03 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة