غزة.. وقف إطلاق النار ودولة فلسطينية بالسلاح الأبيض ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 21 كانون الثاني , 2025 09:24 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
عندما لجأ الفلسطينيون عام 2005 لتحرير قطاع غزة من الاحتلال الصهيوني، وأخرجوه عبر العمليات الاستشهادية والعبوات الناسفة والطعن بالسكاكين، لم يكن آريل شارون يومذاك مرتكباً لحرب إبادة بحجم ما ارتكبه بنيامين نتانياهو بعد عملية طوفان الأقصى على مدى خمسة عشر شهراً، ووجد نفسه أخيراً ملزماً بإبرام صفقة وقف إطلاق النار، بعد أن حوَّل قطاع غزة الى ركام، ولم يتمكن لا من وقف عمليات المقاومة، ولا العثور على رهائنه بين الركام، ولا تطبيق "خطة الجنرالات" القاضية بإفراغ شمال القطاع من ساكني الخِيَم الرافضين ترك أرضهم المحروقة، كما قلوبهم المحروقة على شهداء أبرياء من أطفالهم ونسائهم، وصمدوا حتى بلا كسرة خبز وقطرة ماء وحبة دواء.

"خطة الجنرالات" التي هدفت لاحتلال شمال القطاع بعد القضاء على كل حياةٍ فيه، تمهيداً لإعادة إعماره بالمنتجعات السياحية والمستوطنات المدنية، ولو على عظام الشهداء الفلسطينيين، كان لفشل هذه الخطوة بالذات بداية انهيار المكابرة "الإسرائيلية"، بعد ادعائها القضاء على سلاح هذه المقاومة وقتل قادتها ومقومات صمودها، إلى أن حصل منذ أشهر ما لم يكُن في حسبان الصهاينة؛ بإقدام مقاتل من حماس على قتل خمسة جنود صهاينة كانوا رهائن بعهدته، وذلك انتقاماً لاستشهاد أهله بواحدة من الغارات العدوانية على منطقة مدنية.

فعلاً، غابت عن الذاكرة "الإسرائيلية" الأساليب السابقة التي ابتكرتها المقاومة الفلسطينية، سواء في قطاع غزة أو في الضفّة الغربيّة، من المرونة في إعادة تشكيل نفسها، الى قُدرتها على التّأقلم مع كُل الظّروف القتاليّة، وتطويرها تكتيكات مُواجهة جديدة مع القوّات "الإسرائيلية"، منذ زمن الصاروخ المصنوع في ورشة حدادة في غزة، الى الأسلحة الحديثة المُطوَّرة ذاتياً، وانتهاء بالسكين الذي استخدمه مقاوم من حماس في عملية طعن بقلب تل أبيب يوم السبت الماضي؛ قبل ساعات من موعد سريان وقف النار صباح الأحد.  
قدرات حماس والمقاومة الفلسطينية اليوم، أقوى من مثيلتها عام 2005، لأن روح الانتقام لعشرات آلاف الشهداء والمفقودين والمُعاقين، نتيجة حرب الإبادة التي دمرت نحو 80% من الأبنية السكنية والبنى التحتية في القطاع، هذه القدرات تتلخص بالأحزمة الناسفة التي استخدمتها المقاومة في الضفة الغربية بين العامين 1991 و1996، وتكثيف العمليات الاستشهادية في أماكن الاختلاط الفلسطيني مع المستوطنات الصهيونية، خصوصاً في الضفة، لاسيما بعد توزيع الوزير الخائب المستقيل إيتمار بن غفير أكثر من 7000 قطعة سلاح فردي على المستوطنين في الضفة الغربية، ليس لحماية أنفسهم، بل للتنكيل بالبلدات الفلسطينية وتدمير المنازل ومصادرة الأراضي، وحتى الاستيلاء على قطعان الماشية، مما سيفتح نار جهنم من فلسطينيي الضفة، ويُحيي عمليات الانتقام المختلفة الأساليب، سواء بالعبوات الناسفة أو بالمواجهات المسلحة الفردية، أو حتى بعمليات الطعن التي تُرعب الصهاينة وتمنعهم حتى من الذهاب الى أعمالهم.

بعض وسائل الإعلام "الإسرائيلية" بادرت إلى التساؤل عن "اليوم التالي" الذي وضعه بنيامين نتانياهو نصب عينيه لقطاع غزة، وهو الذي هدد بإبادة حماس ثم فاوض حماس لوقف النار، وهدد بتدمير سلاح المقاومة الفلسطينية، وما زال لدى هذه المقاومة ما يسمح لها بالقتال من الأنفاق ومن خلف ركام المنازل، وهدد باحتلال كامل القطاع والبقاء فيه وإدارته عسكرياً، ونصحه خبراء جيشه باستحالة ذلك، وهدد بتطبيق "خطة الجنرالات" في شمال القطاع، عبر تهجير آخر فلسطيني منه إلى وادي غزة، وفشل في اقتلاع الفلسطينيين من خِيَم النايلون التي ارتضوا البقاء فيها حتى الاستشهاد، إلى أن اتضح واقع "اليوم التالي" الذي رسمه الفلسطينيون بالدماء والدموع، و"هرب" نتانياهو من غزة، مع هروب إيتمار بن غفير من الحكومة، وتهديد يتسئيل سيموترتش ومعه وزير من حزبه الديني بالاستقالة أيضاً، ليصبح مصطلح "اليوم التالي" وكأنه مصير حكومة مجرمة ومجتمع عنصري مفكك.

المفارقة أن شروط وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى التي رضخ لها نتانياهو الآن، هي نفسها التي رفضها منذ ستة أشهر، وتحديداً في شهر أيار/ مايو الماضي، لأنه كان يتعامل مع اقتراح إدارة بايدن الراحلة بازدراء، ويُعوِّل على وصول صديقه ترامب، لكن مقاربة ترامب للشرق الأوسط الجديد تختلف عن رؤية بايدن ونتانياهو، وهو هدَّد الإثنين بضرورة وقف النار في غزة قبل وصوله إلى البيت الأبيض، واستطاع تجاوز بايدن، وأرسل مندوباً عنه إلى "إسرائيل" لفرض وقف إطلاق النار.

القناة 12 العبرية أبدت دهشتها من انتشار عناصر حماس بأسلحتهم الفردية في كل مناطق قطاع غزة فور الإعلان عن وقف إطلاق النار، وبدء التحضير لتبادل الدفعة الأولى من الأسرى، مما يعني - وفق تعبير القناة المذكورة - أن الحرب الطويلة التي قام بها الجيش "الإسرائيلي" لم تُبدِّل من قدرات الحركة وسيطرتها على القطاع، لا بل أعلنت الوزارات في غزة، وفي مقدمتها وزارة الداخلية، عن نزول أجهزتها وطواقمها الى ميادين العمل اللوجستي والخدماتي، لتأمين احتياجات المواطنين الغزيين الذين احشدوا في احتفالات فرحة النصر بما تحقق.

واتفاق وقف إطلاق النار بالشكل الذي تحقق، أغضب اليمين الصهيوني على المستويين السياسي والشعبي، وفيما تساءل السياسيون عن كلفة الإطالة في ما كان سيتحقق منذ ستة أشهر على المستويين العسكري والاقتصادي، انطلق المستوطنون العنصريون في الضفة الغربية لاستفزاز الفلسطينيين المحتفلين بخروج أسراهم، مما يعزز من احتمالات انتقال خيبات "اليوم التالي" في قطاع غزة إلى الضفة الغربية، التي ستكون أقسى على حكومة العدو من قطاع غزة، بالنظر إلى الاختلاط المباشر للبلدات العربية مع المستوطنات الصهيونية، وثمن أية حماقة "إسرائيلية" سيكون أفدح وأكبر، و"اليوم التالي" الواقعي هو بأيدي الفلسطينيين لتحقيق حلم دولتهم، سواء بالنضال العسكري أو حتى بالسلاح الأبيض.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل