الانتداب الأميركي على لبنان... بين الرفض والقبول _ د. نسيب حطيط

الجمعة 17 كانون الثاني , 2025 02:35 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
يبدو أن مشروع وزير الخارجية الامريكي "بومبيو" الذي أطلقه عام 2019  في لبنان وأبرز بنوده القضاء على المقاومة ونزع سلاحها وتوطين اللاجئين الفلسطينيين ودمج النازحين السوريين قد بدأ تنفيذه، فبعد إنهاك الشعب اللبناني وتجويعه وتهجيره وانهيار وشلل مؤسسات الدولة وعلى مشارف انتهاء هدنة "الستين" يوماً والتي استمرت فيها الحرب من الطرف "الاسرائيلي" مع التزام شامل وحكيم وذكي للمقاومة، بدأت مرحلة الانتداب الأميركي المباشر في لبنان، مع الاستفادة من تجربة عام 82 واستبدال قوات المارينز والمتعددة الجنسيات في بيروت "بالمارينز السياسي والمال العربي" للإمساك بمقاليد السلطة، بطريقة دستورية ناعمة وبغلاف ديمقراطي شكلي .
لقد أسّس اتفاق الضرورة "لوقف النار "اتفاق تشرين" لدخول أميركا من نافذة لجنة الإشراف على وقف النار وتنفيذ القرار 1701  (والقرارات الدولية التي سبقته ) حيث سيكون الضابط الأميركي -رئيس اللجنة- قائداً واقعياً لقوات الطوارئ الدولية وللجيش اللبناني بشكل غير مباشر ،باعتباره المنسّق العام لتنفيذ القرار  "1701   ابتداء من الجنوب ، مما يشابه الوجود الأميركي في العراق السياسي والعسكري، مع فارق عدم وجود قوات عسكريه أميركية حتى الآن وربما يأتي الوقت الذي يُطلب من الحكومة اللبنانية ان تستدعي المساعدة الأميركية.
يتسلّل الانتداب الامريكي ويثبت مواقعه، بعد تغيّر الظروف الإقليمية ،لصالح المشروع الأميركي - "الاسرائيلي" بعد حرب غزة ولبنان وسقوط سوريا ووجود شبه إجماع لبناني على  استجداء الدور الأميركي ضد  المقاومة وطائفتها التي يقيت مع بعض الشخصيات الوطنية خارج هذا الإجماع ، حيث تتعرّض المقاومة وطائفتها الى هجوم على ثلاثة محاور، الجيش الإسرائيلي في الجنوب والجماعات التكفيرية في الشمال والشرق والهجوم السياسي الأميركي في الداخل والذي وضع ممثلي المقاومة امام خيارين، إما القبول بالإملاءات الأميركية في عملية اعادة بناء المؤسسات الدستورية  والمنظومة الإدارية والعسكرية وإما الاحتجاج والمقاطعة والبقاء خارج السلطة في لحظة مفصلية، تشكّل فرصة ذهبية ، لاتخاذ قرارات رسمية، بتوجيه خارجي ضد المقاومة واهلها، وهذا ليس من مصلحة اهل المقاومة مع الرهان  ان تتصرف "الثنائية" بانفعال وتستعمل سلاح الشارع الذي سيكون كميناً لها، مكمّلاً للحرب "الإسرائيلية" عليها.
ان المرحلة الحالية صعبة وخطيرة، حيث ان "اتفاق تشرين" قال بوقف لنار وهدنة لمدة 60 يوما حتى ينسحب العدو، مع التهديد بتمديد جديد، لتأمين الوقت اللازم ،للاجتياح الأميركي السياسي في الداخل وعندما يتم الإمساك بكل مفاصل السلطة سيوعز الاميركيون، للعدو بالانسحاب، مع التعهد باستكمال مهمة القضاء على المقاومة!
يتقدّم المشروع الأميركي بناء على اعتقاد خاطئ ،بأن المقاومة قد انتهت ويمكن حصارها وتسليم سلاحها تحت ضغط الاقتصاد والضربات العسكرية والحرب النفسية وإظهار الطائفة على انها طائفة منكوبة، بانتظار شفقة بعض الضعفاء اللبنانيين من القوى السياسية واعطائها الأمان للمقاومة واهلها.
لقد تعرّضت المقاومة واهلها ،لظروف صعبة فقد تم اختطاف قائدها الإمام الصدر في بداية انطلاقتها وللاجتياحات المتكررة  ولم تكن تملك عناصر القوة التي تمتلكها الآن ومع ذلك صمدت وقاومت وانتصرت وهي قادرة على الصمود لعقود اخرى وكما تصرفت المقاومة بأعلى درجات الصبر والحكمة والعقلانية بعد وقف النار رغم كل الاستفزازات "الإسرائيلية"، فربحت معركة الرأي العام و سجّلت نقاط قوة، لصالح وجودها وضرورتها بعدما عجزت القوات الدولية والحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي من لجم "اسرائيل"، وأظهرت المقاومة امام اهلها بشكل خاص وللبنانيين انها ضرورة وحاجة استراتيجية لمنع العدوان "الإسرائيلي" دون ان تستعمل سلاحها.
ستواجه المقاومة واهلها هذا الانتداب الأميركي والإعلان أن معركتهم مع اميركا و"إسرائيل" وليست ضد رئيس الجمهورية او الحكومة او أي طرف لبناني لا يغامر بالعدوان عليها ، بحكمة وعقلانية وموضوعية، دون انفعال والتأكيد على عدم مغادرة السلطة، مهما كانت الظروف لأن مغادرة السلطة الآن، كمن يغادر موقعه على جبهات القتال اثناء المعركة.
المعركة الآن معركة عقيدة وعقل وسياسة واقتصاد وإعلام وصبر وعلى المقاومة وأهلها ان يستعينوا بأهل الكفاءة والاختصاص والمعرفة وغير الفاسدين للمعركة مع الانتداب الأمريكي التي يمكن ان تمتد "لعشر سنوات"، لكن خاتمتها ستكون حتمية الانتصار لأهل المقاومة بإذن الله.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل