خاص الثبات
تتعالى في الآونة الأخيرة أصوات في بيئة المقاومة تنادي "باستراحة الطائفة، لأن الأمة ما بدها تقاتل".. وهنا نطرح سؤالاً جوهرياً: هل خيارنا بالمقاومة ومشروع التحرير اتخذناه لأننا كنا نظن أن "الأمة بدها تقاتل"، أم لأن الجهاد هو من باب التكليف الشرعي؟
نعم، لا يخفى على كل صادق ومُنصف أن بيئة المقاومة تحملت الكثير، وبذلت الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن لبنان وفلسطين، ومع هذا الحمل والعبء أتى نداء أشرف الناس وأطهر الناس من الشهيد الأقدس (رضوان الله تعالى) عليه، والآن، وبعد كل هذا البذل، يأتي من يقول: "فلنسترح، الأمة ما بدها تقاتل"؟ وعلى فرضية أننا استرحنا وصرنا مثل باقي الأمة، ما الذي سيفرّقنا عنهم؟
ربنا عز وجل يقول: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم}.
خيار مقارعة الطغاة والظالمين ونصرة المستضعفين في الأرض هو خيار الأنبياء والمرسلين، وأولياء الله الصالحين، ولنا في سيدنا نوح وموسى خير مثال، ولا ننسَ قول الإمام علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه): "لا تستوحشوا طريق الحق لقلّة سالكيه"، ولا يظننّ أحد أن هذا الطريق مُعبّد وسهل ومريح، بل هو صعبٌ ومليء بمجاهدة النفس وألم الفقد، يقول عز وجل {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}.
وإذا تدبرنا آيات كتاب الله عز وجل نرى مثاليْن اثنيْن: الأول قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وأما الثاني فهو قوله عز وجل: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ}. هاتان الآيتان الكريمتان تؤكدان أن النصر هو من عند الله عز وجل، لا بالعدد ولا بالعتاد، ومع ذلك فقد أمرنا الله عز وجل أن نعدّ العدة للقاء العدو.
ومن ضرورات الإعداد لمواجهة العدو، استنهاض الأمة، وتكامل الجهود، ورصّ الصفوف، وتوحيد الكلمة، بتحقيق الوحدة الإسلامية الحقيقية، فلا يصحّ أن يكون واجب المقاومة حكراً على فئة أو حزب أو طائفة، إنما لا بد من بثّ هذا الفكر المقاوم ونشر هذا المشروع الجهادي للأمة بكل مذاهبها، كما أمر ربنا : {فَقَٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا}.
ختاماً، وبعد الامتحان الصعب الذي مررنا به، نستذكر ما يُنقل عن سيدنا علي رضي الله عنه :"والله لتمحصن، والله لتميزن، والله لتغربلن، حتى لا يبقى منكم إلا الأندر"، فهنا نقول لأهلنا في بيئة المقاومة، إن نداء "ما تركتك يا حسين" هو كنايةٌ عن عهد مع الله أننا لن نترك الحق ونركن إلى الباطل ونستكين له..
ثبّتنا الله وإياكم على طريق الحق، من ينصرِ الله ينصرْهُ الله، ومن كان الله معه فاز.
مُحب للمقاومة