نحو حكومة تلتزم خطاب القَسَم ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 14 كانون الثاني , 2025 12:34 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

"أنا لم آتِ للعمل في السياسة، بل أتيت لبناء دولة".. بهذه الكلمات رفع الرئيس جوزف عون شعار مسيرته الرئاسية، وخطاب القَسَم النموذجي الفريد.. لم يتحدث فيه عن "مدينة فاضلة" غير قابلة للتحقيق كما يظنّ البعض، بل تضمن إصراراً على بناء دولة طبيعية من أجل شعب آن له أن يعيش حياة طبيعية، وجوزف عون سيخوض من بعبدا معركة عمره من أجل لبنان، "بأسلحة" يمتلكها، ولو بدون بذلة مرقَّطة.

وبصرف النظر عن اعتبار البعض أن الرئيس جوزف عون، أتى إلى رئاسة الجمهورية بضغط أميركي أو سعودي، فهذه ليست السابقة التي لم تسبقها سوابق، بالنظر الى الخلافات اللبنانية البينيَّة التي تستعين بالخارج وتستقوي به، لكن المهم في وصول الرئيس جوزف عون، أنه من مؤسسة الجيش اللبناني التي يحترمها الشعب، وأنه أجاد إدارة هذه المؤسسة في كل الظروف، لكن الأهم في وصول فخامته، ألا اسم "نافر" وطنياً وجد لنفسه فرصة الوصول حتى إلى الحازمية، وهذا ما انسحب أيضاً على بعض المرشحين لمنصب رئاسة الحكومة، بحيث تلقى أحدهم صدمة من حلفائه قبل خصومه، باستبعاده عن السباق، لأن مسيرته السياسية "نافرة" على المستوى الوطني.

وإذا كان البعض يعتبر أن الرئيس جوزف عون قد وصل بتسوية خارجية، فهذا لا يعني أن الداخل اللبناني لم يلتقط اللحظة ويتوافق عليه، ضمن إطار الأجواء الإقليمية الملائمة للبنان، والتي تميل إلى تهدئة النار في الشرق الأوسط- رغم استمرارها على الجبهة الفلسطينية / الصهيونية بانتظار إقرار الحق الفلسطيني - والمملكة السعودية بعد تحقيق الصلح مع إيران في آذار / مارس 2023، هي التي تقود مسيرة السلام الشرق أوسطي، وهي التي وعدت عبر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتحويل الشرق الأوسط إلى أوروبا جديدة، وبالتالي أسقطت في صندوقة اقتراع الرئاسة اللبنانية اسماً توافقياً وطنياً، بُنيت له عفوياً قواعد شعبية مؤيدة لمؤسسة الجيش اللبناني بالنظر الى أدائه الوطني المسؤول في قيادة هذا الجيش، ووصل إلى الرئاسة بتأييد كتلة الوفاء للمقاومة وكتلة التنمية والتحرير، وألقى خطاب قَسَم كخارطة طريق لعهده.
قد يقول قائل إن وصول الرئيس جوزف عون من خارج التركيبة السياسية إلى قصر بعبدا، افترض وصول شخصية شبيهة به إلى السراي الحكومي، كالقاضي نواف سلام، وإن الرئيس نجيب ميقاتي في نظر البعض "دقَّة قديمة"، ولكن أداء الرئيس نجيب ميقاتي خلال السنتين الأخيرتين كان جيداً ومتوازناً على المستوى السياسي، واستطاع الرجل نسج علاقات ودية في الداخل، ولديه شبكة علاقات عربية ودولية ساعدت الشرعية اللبنانية على الاستمرار ضمن الحد الأدنى وسط الفراغ الرئاسي.

وإذا كانت كتلة الوفاء للمقاومة امتنعت عن التسمية وفاءً لمواقفه خلال العدوان "الإسرائيلي" المتمادي، فهي بالأساس زاهدة بالمناصب الوزارية، ويستطيع أي متابع الاطلاع على الوزارات التي أسندت لحزب الله في الحكومات السابقة، ليجد أن وزارات الزراعة والصناعة والعمل والشؤون الاجتماعية هي الغالبة على حصة حزب الله في أية حكومة.

وبصرف النظر عن انضمام كتلة التنمية والتحرير إلى كتلة الوفاء للمقاومة بعدم التسمية، بعد تخطي أصوات القاضي نواف سلام حاجز 84 صوتاً، فإن الحكومة المطلوب منه تشكيلها كرئيس مكلف هي حكماً ستكون ميثاقية، وستجمع كافة المكونات السياسية والطائفية، ليس من منطلق المحاصصة الشخصية، بل من باب احترام القوى ذات التمثيل الشعبي والسياسي الوازن.

في الخلاصة، رئيس جمهورية جامع للبنانيين، بدعم عربي ودولي، تخطى كل الأسماء المقبولة والنافرة، ورئيس مكلف مثل القاضي نواف سلام صاحب الكفاءة الأكاديمية الرفيعة، تلزمهما تشكيلة حكومية ميثاقية، ولكن بدون أسماء سياسية نافرة، لأن الأسماء النافرة موجودة لدى كل الأحزاب والقوى السياسية، وآن الأوان لبعض المستوزرين الدائمين أن يتقاعدوا جميعاً، لأن كفاءات التكنوقراط متوفرة لدى كل الشرائح، والدليل هو  في بعض الوزراء الحاليين بحكومة الرئيس ميقاتي، الذين عملوا باللحم الحي للقيام بواجباتهم، وليكن البيان الوزاري مستوحى من خطاب القَسَم، عسى هذا البلد ينتصر لنفسه بإجماع أبنائه على الميثاقية  التشاركية السياسية، أو اللجوء إلى حكومة تكنوقراط وأخصائيين تعمل ضمن الممكن لتصريف شؤون الناس حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة في العام 2026، وتهيئة الأجواء لإخراج البلد من تحت الرماد.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل