أقلام الثبات
الحدث الأبرز في الشأن السوري هو انعقاد اجتماع الرياض بشأن سوريا، لبحث الدعم الذي يمكن أن تقدمه الدول العربية والأوروبية والمجتمع الدولي للشعب السوري، وبحث الخطوات التي على الحكم الجديد أن يقوم بها للحصول على الدعم الدولي والعربي.
وتأتي أهمية البيان والمحادثات التي حصلت في ظرف مهم جداً، فبالإضافة الى الإنشائيات السابقة التي تؤكد على وحدة سوريا واستقلالها وسيادتها، كانت العبارات الأكثر أهمية هي "لا مكان للإرهاب" في سوريا، و"عملية انتقالية سياسية سورية تتمثل فيها القوى السياسية والاجتماعية السورية، تحفظ حقوق جميع السوريين، وبمشاركة مختلف مكونات الشعب السوري".
ومنذ سقوط النظام في سوريا، كان هناك حديث كثير عن تخوّف من تحوّل سوريا الى ليبيا ثانية، أو أفغانستان ثانية، لكن ما لم يشر إليه كثيرون هو خشية الدول العربية الى تحوّل سوريا الى مصر ثانية، أو الى عراق ثانٍ، مع اختلاف الظروف بشكل كبير بين كل من سوريا حالياً ومصر عام 2013، وبين الظروف الحالية والعراق عام 2003.
- بالنسبة للتجربة المصرية:
التخوف يتأتى من أن يستفرد الحكم الجديد بالسلطة، وأن يقوم بما قام به مرسي وجماعة الاخوان في مصر حينها؛ حين تمّ اتهامهم ب"أخونة الدولة" وإقصاء جميع المعارضين تحت مسمى "الفلول"، ولم يستطيعوا السير بمصر نحو حكم تشاركي فعلي، وبدأت الحركات الاسلامية المتشددة تتحرك أسبوعياً للمطالبة بحكم الشريعة، في ظل تفلت أمني وارهابي في سيناء، حيث قامت مجموعات ارهابية بالاعتداء على الجيش المصري آنذاك.
وما كان يهم الدول العربية حينها، والتي انفتحت بداية على الحكم المصري ثم عادت وبدّلت موقفها ودعمت الثورة المضادة، هو النفوذ التركي الطاغي على الحكم المصري حينها، ما شكّل تنافساً جدياً مع الدول العربية، التي وجدت في ذلك النفوذ مسّاً بأمنها القومي وأمن مصر القومي. وتبقى الخشية من انزلاق سوريا الى فوضى بسبب انهيار الجيش السوري، وسنوات من الحرب في سوريا، وانهيار الوضع المعيشي والاقتصادي الذي يحتاج الى مساعدة عاجلة.
التجربة العراقية:
تحت مسمى العدالة الانتقالية، دعم الأميركيون ما يسمى "اجتثاث البعث" في العراق، والذي تحوّل الى آلية انتقامية من جزء كبير من الشعب العراقي، وادّت هذه السياسة الى تسعير الخطاب الطائفي وشعور فئة كبيرة بالمظلومية، ترافقت مع تفجيرات طالت المقامات الدينية، فحصلت حرب طائفية كبرى واستغلت المنظمات الارهابية الفراغ الأمني، ما أدّى الى فوضى عارمة في العراق، وكما في الوضع المصري، استفادت إيران من التطورات في العراق حينها على حساب النفوذ العربي.
وعليه، وبما أن التجارب العربية الأخرى ماثلة للعيان، سيحرص العرب ومعهم المجتمع الدولي على محاولة مساعدة الحكم الجديد على الاستقرار والنهوض في سوريا، لكن بشروط واضحة، وعلى مبدأ "خطوط مقابل خطوة"، فيقومون بالمساعدة الاقتصادية وعدم السماح بتسارع الانهيار الاقتصادي، مقابل أن ينفتح الحكم الجديد على المكوّنات كافة، ويحميها، ولا يسمح بالفوضى، ثم رويداً رويداً يتم رفع العقوبات وإزالة أعضاء الحكم الجديد عن لائحة الارهاب، مقابل عملية انتقال سياسية يكون فيها احترام للتعددية وحرية الرأي وحكم مدني يتشارك فيه جميع السوريين، ولا يكون لدولة اقليمية فيه نفوذ طاغٍ أو سيطرة كاملة.