الرئاسة تفضح أهل السياسة ــ عدنان الساحلي

الجمعة 10 كانون الثاني , 2025 10:47 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
 مرة جديدة يدين السياسيون اللبنانيون أنفسهم، ويقرون على الملأ بأنهم لا يصلحون لتبوء المراكز التي يشغلونها، خصوصاً عندما يراكمون في تفاعلهم مع الحدث؛ سلسلة فضائح وليس فضيحة واحدة، وكل من هذه الفضائح تكفي للإطاحة بالنظام وأركانه وحرّاسه وسراقه، هذا لو كنّا في بلد السيادة فيه لشعبه وليس لسفراء الدول وقناصلها وموفديها.
مناسبة انتخاب رئيس للجمهورية، أمس، جاءت بعد فشل القوى السياسية في التفاهم أو التقاطع على اسم رئيس يخلف الرئيس السابق ميشال عون، الذي انتهى عهده منذ أكثر من سنتين، تاركاً خلفه فراغاً فشل المجلس النيابي في ملئه، لتكشف هذه المناسبة واحداثها مدى انحطاط حال السياسة في لبنان؛ ومدى الهوان الذي يعيشه اللبنانيون، في ظل ساسة لو حكموا في بلاد تمتلك الحد الأدنى من حكم القانون، لكان مصيرهم السجون وأعواد المشانق، عقاباً لهم على إجرامهم بحق بلدهم وبحق شعبهم. وكذلك لدوسهم كل ما يمت للقوانين والدساتير بصلة.
فالطبقة السياسية المتواجدة في مجلس النواب وفي الحكومات المنبثقة عنه، بعد أن سرقت خزينة الدولة من المال العام؛ وبعد أن نهبت أموال المودعين بالتحالف مع أصحاب المصارف، أكدت مرة جديدة أنها فاشلة في حل مشاكل البلد؛ وغير قادرة على تقديم مصالح البلد على مصالحها، لذلك وللمرة الرابعة في تاريخ لبنان، قامت بعسكرة النظام، واختارت مرغمة رئيساً من خارج صفوفها، لم ينتخبه الشعب نائباً ولا اختاره النواب وزيراً، وعيّنت رأس المؤسسة العسكرية رئيساً للجمهورية، بعد عجزها عن تقديم أحد وجوهها ليكون رئيساً مقبولاً عند اللبنانيين؛ وكذلك لأنها تعيش وتبقى بالخضوع للخارج وإملاءاته.
أكدت الأكثرية النيابية أمس مرة جديدة أنها غير مؤتمنة على الدستور، فهي كالوثنيين في عبادتهم لآلهتهم المصنوعة من التمر، عندما تجوع تأكله. وهي أمس اكلت بنود الدستور عندما تخطته وداست عليه، خضوعاً منها لإملاءات السفراء الأجانب وموفدي الدول النافذة. فالرئيس الجديد يحظر الدستور عليه الترشح للرئاسة، قبل مضي سنتين على تركه وظيفته الرسمية.
كان انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون، أمس، سقوطاً مدوياً لكل المتبجحين بالسيادة والقرار الحر وحكم القانون، فما جرى كان إملاء وفرضاً من الخارج، تحدث عنه بعض النواب المعارضين. كان مجلس النواب أمس مجرد مسرح جرى فيه تمثيل مشهد انتخاب رئيس، في حين أن القرار كان أميركياُ وفرنسياً وسعودياً. ولذلك اقترع بعض النواب للموفد الأميركي عاموس هوكشتاين؛ وللمندوب السعودي يزيد بن فرحان؛ وللمندوب الفرنسي لودريان.
حقق معظم النواب غاياتهم أمس، على حساب تضحيتهم بالسيادة والكرامة الوطنية والقرار الحرّ. بعضهم حقق غاية سياسية، والبعض الآخر حقق غاية انتقامية، وآخرون حققوا غاية مالية، واثبتوا كذب وتضليل المتبجحين بالسيادة، فـ"السياديون" المدعون جبناء أمام الأوامر الأميركية؛ وضعاف أمام المال السعودي، أو يقدمون مصالحهم السياسية الخاصة، أو خيارات طوائفهم، على حساب الوطن والقانون والدستور.
كان أحد الأحزاب يسعى لترشيح قائده لرئاسة الجمهورية، مراهناً على قوى الخارج وعلى ضعف الداخل، لكن عندما حضرت الإملاءات الأميركية والمال السعودي، أصبح رموز ذلك الحزب رأس حربة الدعوة والتحشيد لإنتخاب العماد عون، علماً أن حالة عداء متأصلة في السياسة وفي الميدان، تفصل بينهم وبين عون.
قلة قليلة من النواب، لا يتعدون عدد اصابع اليد، انحازت للقانون والدستور، ربما لقناعة مثالية، او ربما لأسباب شخصية، وفي ما عدا ذلك، دخل الجميع في سوق البيع والشراء، أو في الحسابات الضيقة للكتل النيابية والمصالح الفردية.  
هذا السقوط المدوي للطبقة السياسية اللبنانية الحاكمة، هو إرث يتجدد منذ أيام متصرفية جبل لبنان والاحتلال العثماني، فالمتصرفية كانت من صنع الدول الغربية الست، ولبنان الكبير أعلن بلسان المندوب السامي للاستعمار الفرنسي، ولم تحصل عسكرة الرئاسة اللبنانية إلا بعد ازمة لبنانية دامية، فشل رجال السياسة في الخروج منها، فتدخل الخارج ليفرض عليهم حلاً يوافق مصالحه، وأول قائد للجيش نصّب رئيساً للبنان، وهو اللواء فؤاد شهاب، كان نتيجة تفاهم أميركي – مصري، جاء بعد احتراب الزعماء اللبنانيين وأنصارهم عام 1958، وعهد الرئيس العماد إميل لحود، بدوره، جاء في زمن وصاية خارجية، تمثلت بتفاهم أميركي - سوري - سعودي على إدارة لبنان، ولم يكن عهد ميشال سليمان أحسن حالا، بل جاء بشراء أصوات النواب بأموال قطر في مؤتمر الدوحة، وها هو رئيس لبنان الجديد يُصنع على أيدي اللجنة الخماسية ونفوذها واموالها، في حين لو توفر لدى أعضاء المجلس النيابي شيء من حس الوطنية والسيادة والتمسك بالدستور، لقطعوا الطريق على هذا الامتهان للبنان وشعبه ومؤسساته؛ بجعل انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشعبي المباشر، مع بقاء المنصب للموارنة، فإخضاع أو شراء إرادة 128 نائباً أمر ممكن، لكن إخضاع أو شراء إرادة شعب كامل، أمر مستحيل.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل