الرئيس جوزف عون.. المحاولة الرابعة لاستحضار فؤاد شهاب _ أمين أبوراشد

الخميس 09 كانون الثاني , 2025 07:34 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

ليست المرة الأولى التي نستحضر فيها روح اللواء الرئيس فؤاد شهاب، ونحن في لحظة تهنئة العماد الرئيس جوزف عون، سوى افتقادنا لدولة المؤسسات "الشهابية"، وقد سبق لنا واستحضرنا هذه الروح - بطلوع الروح - عند انتخاب حَمَلة نجوم مؤسسة الجيش اللبناني؛ العماد إميل لحود، والعماد ميشال سليمان، والعماد ميشال عون، ولم تتوفر الظروف لكل منهم لإعادة إحياء "دولة فؤاد شهاب"، لأننا نعيش زمن مزارع الميليشيات والدولة العارية من مؤسساتها، التي أقصِي "المكتب الثاني" الشهابي عن مراقبتها كي تنقرض، وانقرضت.

تتداول الأجيال الحالية عبارة "دولة المؤسسات التي بناها فؤاد شهاب"، وربما بعضهم يسمع بتسمية "المكتب الثاني" الذي كان الشعبة الثانية لمخابرات الجيش اللبناني، والذي شُنَّت عليه حروب إلغاء لإقصاء العين العسكرية عن ارتكابات المدنيين، لنصل بعد نحو 60 سنة إلى المطالبة بعودة العسكر، وعودة الشعبة الثانية، وعودة المكتب الثاني لتطهير الدولة اللبنانية من ارتكابات بعض أهل السياسة، لا بل بات بعض اللبنانيين عند كل أزمة سياسية وفراغ رئاسي، يطالبون قيادة الجيش باستلام الحكم، ولو عبر انقلاب عسكري.

لسنا نطالب فخامة الرئيس جوزف عون بأن يكون فؤاد شهاب، رغم حاجتنا لمدرسة فؤاد شهاب، لكن مع الأسف، عندما يخلع قائد الجيش بذلته العسكرية لا تتبدل مناقبية تنشئته عند وصوله إلى بعبدا، بل تتغير طريقة التعامل معه من أهل السياسة، سواء وصل بدون انتماء إلى كتلة برلمانية، كالرئيس إميل لحود والرئيس ميشال سليمان، أو كان ينتمي لكتلة برلمانية كبرى كالرئيس ميشال عون.

وهنا نتوقف عند تعليق مقتضب للرئيس إميل لحود، عندما هنأه أحدهم بنيله 85 صوتاً لولايته الأولى عام 1998، حين أجاب: ليس المهم أن أبدأ ولايتي بأغلبية 85 صوتاً، بل بعدد الأصوات التي ستبقى معي حتى نهاية ولايتي، وبالفعل، حورِب الرئيس المقاوم إميل لحود حتى آخر يوم من ولايته الثانية، لأنه رجل مؤسسات، وحورِب الرئيس ميشال عون طيلة ولايته لأنه نادى بإعادة إحياء المؤسسات.  

وقد يُعجب كثيرون من أسباب عدم تكرار ظاهرة فؤاد شهاب بثلاثة قادة جيش أتوا من بعده، خصوصاً أن الرجل كانت لديه "كاريزما" بسيطة من التواضع والزهد إلى حدود الفقر، لكنه امتلك العزيمة الوطنية في تأسيس الجيش اللبناني وعشرات المؤسسات الحكومية، وبات في نظر الناس "المنقذ البطل" و"الرجل المؤسس" والنجم الذي لم يخطف شهبه أحد، والسبب بسيط؛ أن شهاب انتقل من مؤسسة الجيش التي تعتمد على "الأُمرة"، إلى مؤسسة رئاسة الجمهورية مصطحباً معه رهبة هذه "الأمرة" لأنه المؤسس.

وحتى لو لم يتكرر عهد فؤاد شهاب الذي امتد من العام 1958 حتى العام 1964، خلال عهود ثلاثة قادة للجيش وصلوا بعده الى منصب الرئاسة، فلأن هيبة الأمرة العسكرية تتراجع لصالح الهيكلية المدنية للدولة ومبدأ فصل السلطات، وبات منصب رئيس الجمهورية بعد الطائف شبه رمزي بعد انتقال غالبية صلاحياته الى مجلس الوزراء مجتمعاً، وهنا يصطدم أي قادم من مؤسسة الأمرة العسكرية الى مؤسسة رئاسة الجمهورية، بالفارق الكبير في سلطة الأداء بين "الأمر لي" و"الأمر لهم"، خصوصاً عندما تشكل الأحزاب السياسية ومافيات "الدولة العميقة" عوائقاً للرئيس عند كل مفترق.

وعليه، إننا إذ نهنئ فخامة الرئيس العماد جوزف عون، نؤكد ثقتنا أنه يمتلك "الكاريزما" المتواضعة التي كانت يتحلى بها مؤسس الجيش اللبناني الرئيس الراحل فؤاد شهاب، والرئيس جوزف عون أدار مؤسسة الجيش بحكمة وطنية في زمن المواجهات العسكرية الداخلية والخارجية، وسط ظروف القحط المادي ونقص العتاد، وعرف كيفية تحييد هذه المؤسسة عن فساد أهل السياسة وألاعيبهم الميليشيوية، وهذا الرئيس الكريم يمتلك صلابة الرئيس إميل لحود وعناده في الحق، وأخلاق الرئيس ميشال عون في نظافة الكف، والمطلوب من فخامته ليس أن يكون فؤاد شهاب، بل أن يكون إميل لحود أو ميشال عون، وأن يُدرك بأن ثقة الشعب اللبناني باقية بالجيش اللبناني، ولو قُدِّر لهذا الشعب الممنوع عنه الاستفتاء والانتخاب المباشر أن يقول كلمته، لاختار شخصية من المؤسسة العسكرية وقال نعم دائمة لبذلة الجيش اللبناني في مواجهة الفاسدين.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل