آخر مبادرة سعودية للبنان.. وقد تكون الأخيرة ـــ أمين أبوراشد

الجمعة 03 كانون الثاني , 2025 10:16 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

منذ ما يقارب السنة، أعلنت القيادة السعودية عدم رغبتها بالتعامل مع القوى اللبنانية كجماعات فئوية وأفراد، وحصر علاقاتها بالحكومة اللبنانية والهيئات الرسمية، نتيجة تجاربها الطويلة في استقبال من يحسبون أنفسهم عليها من رواد البلاط السعودي - وأثمانهم مدفوعة بالطبع - ولطالما نشر الإعلام مراسلات تسوُّل وعرض خدمات، وصور شيكات يتقاضاها هؤلاء مقابل تنفيذ أجندات تخدمهم أكثر مما تخدم المملكة.

هذه التجربة للمملكة مع دُعاة المحاربة بسيفها، برزت بشكل واضح وفاضح في أواخر العام 2017، عندما تطوَّع أحدهم بمواجهة حزب الله مقابل تمويله مع حزبه، وطالب بإزاحة الرئيس سعد الحريري عن السراي الحكومي لأنه غير قادر على مواجهة الحزب، وكان ما كان من استقالة الحريري من رئاسة الحكومة خلال وجوده في الرياض، ثم عودته عن الاستقالة بعد عودته إلى بيروت، الى أن وجد الرجل نفسه ممنوعاً من متابعة العمل السياسي وغادر إلى الإمارات.

ورغم عدم وجود كيمياء بين قيادة المملكة والرئيس ميشال عون، فإن السنوات الست التي أمضاها عون في السلطة بمواجهة كل الحروب التي شُنَّت عليه، لم تغفل المملكة خلالها عن قراءة مضامين وأساليب السياسة الكيدية التي ينتهجها اللبنانيون في معاركهم البينيَّة، والتي تتظهَّر أكثر فأكثر عند كل استحقاق. وإذا كان قد حصل ما حصل بعد عدوان أيلول 2024 من تداعيات على ميزان القوى في لبنان، وسعى البعض الى "تبييض الطناجر" مع المملكة، والمجاهرة بالبحث في حكم لبنان "ما بعد حزب الله"، فإن ما حققته المملكة استراتيجياً في سورية بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، يفوق بأضعاف الأضعاف حجم لبنان من المنظور السياسي السعودي، خصوصاً أن الشارع اللبناني السُّني لم يخرج يوماً عن "طاعة" المملكة، بصرف النظر عن ممثلي أهل السنة في دوائر القرار اللبناني.

ومع بدء العد التنازلي للاستحقاق الرئاسي اللبناني، تجد المملكة نفسها بمنأى عن المجاهرة العلنية بالاسم الذي تدعمه، رغم الزيارة التي قام بها منذ أيام المرشح الأبرز العماد جوزف عون الى الرياض بدعوة من وزير دفاع المملكة، وحتى لو كان عون "محسوباً" على المملكة، فلأنها تسعى لإيصال شخص موثوق على مستوى "الأمانة الشخصية"، والمملكة لديها ملفات وسجلات كافية عن الفاسدين في لبنان، سواء كانوا في مقاعد حكومية أو نيابية أو حزبية.

تكاد المملكة السعودية أن تكون من أكثر الدول التي اختبرت السوق اللبنانية، لناحية الاستثمارات والمساعدات والإيداعات المصرفية، منذ ما قبل الرئيس رفيق الحريري، ومعه، ومع نجله سعد لاحقاً، ولمست فقدان ثقتها بالأشخاص والمؤسسات، الحكومية حيناً، والأهلية والحزبية أحياناً، ولذلك اتخذت قرار "الفرملة" بوقف الرهان على الجميع.

مشكلة المملكة في لبنان أن لها أهلها وناسها الذين يتمسكون بحسن العلاقة معها في كل الظروف، ليس فقط من المنطلق الطائفي، بل من باب الانتماء لدولة راعية منذ ما قبل "اتفاق الطائف"، والمملكة الآن قد اتخذت قرارها بدعم لبنان بطريقة غير مسبوقة، ولكن بإشراف مباشر منها في التوجيه والصرف والتنفيذ.

هذا القرار السعودي قبيل الاستحقاق الرئاسي، بصرف النظر عن تضارب المعلومات حول قدوم وزير الخارجية فيصل بن فرحان إلى بيروت من نفيه، يندرج ضمن مبادرة لدول عربية، ومن بينها السعودية، للمساهمة في إعادة الإعمار، لكنها لن تحوِّل مبالغ مالية من دون حسيب أو رقيب، بل سيكون هناك مراقبة واختيار للشركات، التي ستعمل على إعادة الإعمار ضمن آلية وموازنة ومراقبة واضحة، وعلى الأرجح سيكون الدفع مباشراً.

ومن منطلق عدم الثقة بالطبقة السياسية المخضرمة في لبنان، يأتي التوجُّه السعودي نحو خيار العماد جوزف عون، ربما لأن مؤسسة الجيش اللبناني ولَّادة لأهل الثقة أكثر من سواها، وإذا كان هناك تقاطع سعودي - أميركي على اسم العماد جوزف عون، فهذا يعني رغبة إقليمية ودولية بقيام الدولة اللبنانية القوية، وفرنسا ستكون العراب المباشر لهذا السيناريو، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لبنان المرهق على كافة الأصعدة، عليه أن يتلقف المبادرة السعودية للاستثمار وإعادة الإعمار، لأن هذه المبادرة قد تكون الأخيرة بوجود طبقة حاكمة غير موثوقة.

وإذا كان البعض يرى أن ظروف انتخاب العماد جوزف عون كرئيس توافقي بدعم سعودي، أو حتى اللواء الياس البيسري، شبيهة بظروف انتخاب العماد ميشال سليمان عام 2008 بدعم قطري، فإن أوجه الشبه غير موجودة، لأن سليمان انتُخب في عز قوة فريقي 8 و14 آذار، وأتى انتخابه "فكّ مشكل"، لأنه غير محسوب على أي منهما، فيما تأتي تزكية جوزف عون أو الياس البيسري على أنقاض 8 و14 آذار، بعد أن اختلطت الأوراق نتيجة تداعيات ما حصل في غزة ولبنان، ولاحقاً في سورية، ويبدو أن سورية اختطفت الوهج، خصوصاً الأميركي والسعودي، وما الملف اللبناني سوى جزء من ملف إقليمي كبير تم تلزيمه بالمبدأ للقيادة السعودية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل