أقلام الثبات
يعيش لبنان اليوم أزمات سياسية واقتصادية متعددة، بعضها مستمر منذ ما قبل انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، وبعضها يعود الى فترة الانهيار الاقتصادي الكبير الذي حصل بعد الثورة عام 2019 وانهيار العملة اللبنانية، وبعضها الآخر يعود لفترة الحرب "الاسرائيلية" على لبنان، وقبلها خلال فترة "حرب الإسناد" التي بدأت في 8 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2023.
وكأن كانت مشاكل لبنان لا تكفيه، لتأتي التطورات في سوريا لتضيف أبعاداً جديدة الى القلق الأمني والسياسي والاقتصادي، حيث يخشى اللبنانيون أن تقوم بعض الجماعات الارهابية، مستغلة الفوضى في سوريا، بالتسلل الى لبنان، أو أن تقوم باضطهاد مجموعات من السوريين ما يدفعهم الى النزوح الجماعي الى لبنان، أو أن تنحدر سوريا الى السيناريو الليبي، فيشكّل هذا عبئاً أمنياً وسياسياً إضافياً على لبنان.
وهكذا، فإن مسألة انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، وتشكيل الحكومة، وعودة انتظام المؤسسات، تبدو أساسية جداً في ظل التحديات التي تحدثنا عنها أعلاه، وهو ما يحتّم المسارعة الى انتخاب رئيس للجمهورية، لكن المشكلة الأساسية التي يعاني منها لبنان اليوم هي أن الطبقة السياسية تريد أن تستثمر في التدخلات الخارجية أو التطورات الاقليمية لتكسب في السياسة على خصومهم السياسيين، وبالتالي هناك بعض من يريد التمهل في انتخاب رئيس للجمهورية للأسباب التالية:
- البعض يريد انتظار وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لكي يرضيه بانتخاب الرئيس الذي يريده، وهؤلاء تمّ تشجيعهم بعدما أعلن مستشار الرئيس ترامب اللبناني للشؤون العربية؛ مسعد بولس، أن لبنان انتظر سنوات بدون رئيس، فلا ضير من انتظار شهرين أو ثلاثة.
- البعض الآخر يعتقد أن الحرب "الاسرائيلية" ستعود بعد انقضاء مهلة 60 يوماً، وان ترامب سيغض النظر عن قيام نتنياهو بحرب جديدة على لبنان، وبالتالي فهو يفضّل الانتظار؛ معولاً على أن تسمح التطورات الاقليمية بإيصال رئيس جمهورية شبيه بالرئيس بشير الجميل، وتوقيع اتفاق 17 أيار / مايو 1983.
- وهناك البعض الذي يعتقد أن "اسرائيل"، وبالتعاون مع الادارة الأميركية الجديدة، ستقوم بضرب إيران، وعليه من الممكن أن يؤدي ضرب إيران أو اسقاط النظام فيها الى إضعاف الشيعة في لبنان، وبالتالي فرض شروط عليهم، أو دفعهم للقبول بخيارات في لبنان تكرّس هزيمتهم في المنطقة.
أمام هذه الرهانات الاقليمية، والتي يقيمها أصحاب الرهانات الخاسرة أنفسهم منذ الحرب الأهلية ولغاية اليوم، يبدو البطريرك الماروني بشارة بطرس الرَّاعي محقاً بموقفه الواضح والعنيف الذي رفض فيه تأجيل جلسة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية المحددة في التاسع من كانون الثاني/ يناير المقبل، محذراً من «اللعب بهذا التاريخ الحاسم»، ومعتبراً أن بعض الكتل النيابية والسياسيين "ينتظرون اسم الرئيس من الخارج، وهذا عار كبير... وحيث ما زال البعض يفكّر في التأجيل في انتظار إشعارٍ ما من الخارج.. وهذا عيب العيوب، وهو مرفوض بكلّيته.. وحذارِ اللعب بهذا التاريخ الحاسم".