حقائق عن التصوف....مقام الرجاء

السبت 28 كانون الأول , 2024 09:29 توقيت بيروت تصوّف

الثبات- إسلاميات

مقام الرجاء مقام عظيم يصل إليه السالك بعد أن يتحقق بالتوبة إلى الله تعالى ومحاسبة نفسه التي تورث الخوف من الله تعالى فيرجو ماعنده

 يقول الشيخ عبد القادر عيسى في هذا المقام:

قال الشيخ سيدي أحمد زروق رحمه الله تعالى في تعريف الرجاء: الرجاء: السكون لفضله تعالى بشواهد العمل في الجميع، وإلا كان اغتراراً

وقد حثنا الله تعالى على الرجاء ونهانا عن القنوط من رحمته فقال:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}  

وقال تعالى مبشراً بسعة رحمته:{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}

 وقال تعالى في وصف الذين يرجون رحمته:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ}  

وجاء الحث على رجاء رحمة الله في كثير من الأحاديث الشريفة منها: ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللهﷺ:((والذي نفسي بيده لو لم تُذْنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم))

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبيﷺ قال:((يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم، ويضعها على اليهود والنصارى))

 وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول اللهﷺ قول:((يُدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كنفَه فيقرره بذنوبه فيقول: أتعرف ذنْبَ كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول: رَبِّ أعرِفُ قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته))

 والرجاء يختلف عن التمني إذ الراجي هو الذي يأخذ بأسباب الطاعة طالباً من الله الرضى والقبول، بينما يترك المتمني الأسباب والمجاهدات، ثم ينتظر من الله الأجر والمثوبة، فهو الذي قال في حقه عليه الصلاة والسلام:((والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني))

 إذ كل مَنْ رجا الله تعالى وطلبه، عليه أن يشمر عن ساعد الجد والاجتهاد بصدق وإخلاص حتى ينال مطلوبه، ولهذا قال تعالى معلماً طريق طلبه: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}  

فعلى العبد إن كان في ريعان شبابه مقارفاً للذنوب مطيعاً لنفسه الشهوانية أن يُغَلِّب جانب الخوف على الرجاء  

أما إذا كان في نهاية عمره فعليه أن يُغَلِّب الرجاء كما قال تعالى في الحديث القدسي:((أنا عند ظن عبدي بي))  

وكما قالﷺ في الحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله رضي الله عن:((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل))  وإن كان العبد مقبلاً على ربه سالكاً طريق قربه فعليه أن يجمع بين مقامي الخوف والرجاء، لا يُغَلِّبُ الخوفَ على الرجاء حتى يقنط من رحمة الله تعالى وعفوه، ولا يُغَلِّبُ الرجاءَ على الخوف حتى يسترسل في مهاوي المعاصي والسيئات، بل يطير بهما محلقاً في أجواء صافية؛ فلا يزال في قرب ودنو من الحضرة الإلهية، قد حقق صفة هؤلاء الذين وصفهم ربهم بقوله:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} خوفاً من ناره، وطمعاً في جنته.. خوفاً من بعده، وطمعاً في قربه.. خوفاً من هجره وطمعاً في رضاه.. خوفاً من قطيعته وطمعاً في وصاله

 وليس الراجون بمرتبة واحدة، بل هم على مراتب ذكرها ابن عجيبة رحمه الله تعالى إذ قال: رجاء العامة حسن المآب بحصول الثواب، ورجاء الخاصَّة حصول الرضوان والاقتراب، ورجاء خاصة الخاصَّة التمكين من الشهود وزيادة الترقي في أسرار الملك المعبود.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل