أقلام الثبات
بعد 60 يوما من القتال الميداني الأسطوري في الجنوب، والاجتياح الجوي "الإسرائيلي" لكل المناطق الشيعية في لبنان، ومطاردة النازحين، وبقاء المقاومة وحيدة في الميدان، وانسداد أفق الانتظار بالمساندة، وبعد التهديد الوجودي للشيعة في لبنان، وإصرار العدو وحلفائه على اجتثاث المقاومة في لبنان، والتي يعتقد ان القضاء عليها سيؤدي حكماً الى تفكيك وتدمير محور المقاومة، وهذا ما صرّح به رئيس وزراء العدو نتنياهو الذي قال: "بناء على معلومات استخبارية قرّرتُ اغتيال نصر الله... هذا الرجل أذهلني... لقد كان محور المحور.. الآن نصر الله ليس معنا والمحور لم يعد كما كان"، وقد اثبتت الأيام صدق قوله، مع الأسف.
احتشد العالم ضد المقاومة في لبنان، ولم يبق معها إلا بعض الشرفاء اللبنانيين والعرب والمسلمين، يدعمونها بالكلمة او احتضان النازحين، لكنها بقيت وحيدة تقاتل بالمنهج الكربلائي، ولولا رحمة الله ورعايته وآلاف الشهداء الاستشهاديين (حوالي 4آلاف مقاوم)، وبسالتهم وشجاعتهم وإنزال الخسائر بالجيش "الاسرائيلي" وقصف الداخل "الإسرائيلي"، لما وافقت "اسرائيل" واميركا على وقف النار، رغم كل الضربات القاسية التي عصفت بالمقاومة؛ من اغتيال "السيد الشهيد" وقياداتها المركزية، وتدمير أغلب مخزونها الصاروخي، ومع ذلك صمدت وكان باستطاعتها ان تصمد اكثر، ولأشهر، لكن ما ألزمها ودفعها للقبول بوقف النار الأسباب التالية :
- قلّة الناصر على المستوى العسكري، ما جعل العدو "الاسرائيلي" واميركا يستمرّان في حربهما، لأنه لن يأتي لمساعدتنا احد.
- تهجير كل الشيعة في لبنان من بيوتهم، وتشريدهم في جغرافيا لبنان وسوريا والعراق، وبعضهم لا يزال هناك ومطاردة الطائرات لكل امرأة او طفل شيعي واصطيادهم بشكل متوحش.
- تآمر الجميع في الداخل والخارج على المقاومة، لمعرفتهم ان انكسارها وهزيمتها سيكونان العبوة الناسفة لمحور المقاومة والمشروع المقاوم في المنطقة.
- قطع الطريق على فتنة داخلية تستهدف المقاومة وأهلها.
وفق هذه الوقائع كانت المقاومة امام خيارين:
- الأول: استمرار القتال (قادرة على ذلك) وعدم الموافقة على وقف النار، مما يفسح الطريق امام "اسرائيل" لتكون المناطق الشيعية في الجنوب والضاحية والبقاع وكل شقة او مبنى او سيارة او دراجة يقيم فيها او يقودها شيعي هي "غزة الثانية".
- الثاني: التوقيع على وقف النار وهي التي رفضته في المرة الأولى التي جاء فيها "هوكشتاين" يحمل وثيقة "استسلام" ورفضها المفاوض اللبناني أصالة عن نفسه ونيابة عن المقاومة وكان رهانه على الميدان الذي يمكن ان يحسّن الشروط ويخفف الإملاءات وهكذا استطاع الميدان بعد 60 يوماً ان يحسّن الشروط ويخفف الإملاءات ويفرض وقف النار.
والسؤال للذين يعترضون الآن ويزايدون: هل كنتم في ساحة القتال؟
هل شارك ابناؤكم في الميدان او استشهدوا؟
هل تهجّرتم وعوائلكم وتدمّرت بيوتكم؟
ماذا فعلتم في الحرب؟ هل صرّحتم هل قمتم بمظاهرة؟ هل قمتم بواجبكم؟ هل آويتم عائلة.. ماذا فعلتم؟
من لا يعرف ظروف الميدان ولا يقدّر وضع المقاومة المكلومة المجروحة التي استطاعت، بتأييد إلهي واخلاص الاستشهاديين الذين قاتلوا من اطباء ومهندسين وأساتذة جامعيين وفلاحين وعمال.. عليه ان يصمت وألا يزايد وان لا يحمّل المقاومة او من فاوض عنها، مسؤولية عدم التزام "إسرائيل" ببعض بنود الاتفاق وهي التي لم تلتزم يوماً بأي قرار منذ القرار "242" عام 67 او القرار 425 عام 78 او القرار 1701/2006 وجهوا غضبكم وصرخاتكم الى العدو والى الراعي الأميركي وليس الى المقاومة او حتى الحكومة اللبنانية الضعيفة والعاجزة!
ما فعلته المقاومة، بالموافقة على وقف النار، هو رأس الحكمة والعقلانية والموقف الشرعي، رغم كل الخسارة التي يمكن ان تصيبها بتفجير بعض المواقع او المخازن والمعدات وهي مثال من يوافق على بتر قدمه المكسورة تحت صخرة، لينقذ نفسه وكذلك تضحي المقاومة الآن ،بجنوبي الليطاني التي ماطلت بالانسحاب منه، منذ العام 2006 والقرار 1701 ، وذلك لإنقاذ ما تبقى قبل ان تطيح به العواصف التي تعصف بالمنطقة التي بدأت بإسقاط الأنظمة وتغيير معالم الشرق الأوسط!
لنفترض ان المقاومة لم تصمد ومن ثم لم توقّع وقف النار ...وسقطت سوريا ...!
فماذا سيكون وضع لبنان والمقاومة وأهلها المهجّرين ؟
للتذكير ،المقاومة ثلّة من الشباب المتطوّعين في سبيل الله ولا نعطيهم رواتب من جيوبنا، غير مُلزمين بالدفاع والقتال...تركوا عوائلهم وجامعاتهم ووظائفهم ،ليحرسونا، لنعيش بأمان وكرامة ... فلا تصرخوا بوجوههم، لأنهم يزعجونكم في نومكم.. او يمرّون في حقولكم ..ويحفرون الخنادق في تلالكم...وربما شربوا من بئركم وهم عطشى قبل استشهادهم.