أقلام الثبات
حفظ اللبنانيون عن ظهر قلب أن انتخاب أيّ من العماد جوزف عون أو اللواء الياس البيسري لمنصب رئيس الجمهورية، يلزمه تعديل دستوري، وحفظوا أيضاً أن التعديل يحصل بكبسة زر متى قرر الخارج ذلك، كما حصل عند انتخاب الرئيس ميشال سليمان عام 2008، ولذلك، يؤمل من النواب، سواء كانوا ضمن كتل برلمانية أو أفراداً، بصفتهم ممثليّ الشعب، عدم الاستمرار في التمثيل الباهت على اللبنانيين أن عدم اختيار أي من المُرَشَّحَين عون أو البيسري يعود لعدم رغبتهم بالتعديل الدستوري احتراماً منهم للدستور.
نعم، لقد ثبت لكافة شرائح الشعب اللبناني، أن الكيدية السياسية والشخصية هي التي تحكم أداء أسوأ طبقة سياسية عرفها لبنان، وإذا كان من السهل انتقاد المرشحين المدنيين لموقع رئاسة الجمهورية، فإن إدخال اسم قائد الجيش العماد جوزف عون في سوق البازار السياسي، يختلف عن تداول اسم المدير العام للأمن العام بالوكالة اللواء الياس البيسري، لأن البيسري مطروح كاسم توافقي، ومؤسسة الأمن العام لن تتأثر في حال عدم وصوله إلى بعبدا، لكن طرح اسم العماد جوزف عون وكأنه مرشح صدامي للبعض دون تبرير هذا البعض أسباب عدم موافقتهم عليه كاسم توافقي - بصرف النظر عن الذريعة الدستورية - مسألة مُسيئة للجيش اللبناني، بل يجب أن تكون مُدانة، لأن جوزف عون يمثل رمزية المؤسسة الأمنية الأكبر والأوثق والأقدر في الدولة اللبنانية.
وبصرف النظر عن شخص العماد جوزف عون، فإن قيادة الجيش تحت لوائه عاشت أقسى معمودية وطنية في تاريخ لبنان المعاصر، ونمتلك جرأة قول الحق؛ إن هذه القيادة نزَّهت نفسها في الكثير من المحطات عن الانزلاق نحو زواريب السياسة المحورية والخلافات البينيَّة الداخلية، بدءاً من تجارب المواجهات الأمنية على الأرض في مختلف المناطق "الثائرة" منذ سنوات، إلى أخطر التجارب التي استُدرج فيها الجيش لاستلام زمام الحكم، وأثبتت قيادته أنها تمتلك من الحكمة ما لا تمتلكه معظم الأحزاب اللبنانية في احترام النظام السياسي وانتقال السلطة عبر الألية البرلمانية للنهج الديمقراطي.
والجيش اللبناني الذي يتسلم أمن البلدات والقرى من جنوب الليطاني حتى الخط الأزرق الحدودي مع العدو "الإسرائيلي"، يؤدي مهامه بالتنسيق مع المقاومة على الوجه الأمثل وبدون أبواق إعلامية، أضيفت على عاتقه مهام الحدود الشرقية والشمالية مع سورية، والوضع في سورية ما زال رمادياً وسيبقى لفترة طويلة مقبلة، بما يعني، أن مؤسسة الجيش اللبناني بحاجة إلى دعم وطني معنوي على الأقل، وعدم وضع اسم قائدها وكأنه خصم للآخرين في معركة الوصول إلى بعبدا، بحيث إذا تعذَّر وصوله سيبدو الجيش كمؤسسة وكأنه قد خسر معركة.
المُخزي لدى بعض معارضي وصول العماد جوزف عون إلى بعبدا، أنهم يبحثون عن "تهمة" له لعدم توافر واحدة من مئات التُهَم التي تحملها الطبقة السياسية، فانتقلوا من اتهامه بأنه غربي التوجُّه، الى شرقي زيادة عن اللزوم بعد تصريح مؤيد لوصوله إلى الرئاسة من القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، دون أن ينسى بعض النواب ورؤساء الكتل أن صحة تمثيلهم للشعب اللبناني بات مشكوكاً بها.
سواء وصل قائد الجيش الى قصر بعبدا أم لم يصل، فإن التمديد له في قيادة اليرزة أهم من كرسي رئاسة بعبدا، وهذا الشعب اللبناني الصابر، يطمئن للبذلة العسكرية أكثر من ربطة العنق، التي لطالما اختفى خلفها فاسدون وعملاء، نعم عملاء يغضون الطرف عما يرتكبه العدو الصهيوني في رحلة اندحاره من الجنوب، من أعمال تجريف انتقامية للبيوت والبساتين والبنى التحتية، ومنع المواطنين من العودة إلى بعض القرى والبلدات التي أذاقت الصهاينة المرارة، واستمرار الانتهاكات الجوية واصطياد الأبرياء على مرأى ومسمع من لجنة الإشراف الدولية على وقف إطلاق النار.
وإذا كان بعض "المُسترئسين" يعتقدون أن المناطق الحدودية مع العدو الصهيوني ستكتسي قريباً برداً وسلاماً فهم على وَهَم، لأن النزاعات مع هذا العدو باقية ما دام هو باقٍ على حدود لبنان، والحدود الشرقية والشمالية لن تحمل إلينا المنَّ والسلوى على وقع المتغيرات الإقليمية الحالية، والجيش والمقاومة على خط مواجهة واحد، وتباً لكرسي رئاسة بلا سيادة وطن وكرامة جمهورية.