أقلام الثبات
في ظل التطورات التي تعيشها "اسرائيل"، والحرب المستمرة على قطاع غزة، والتي يستمر اليمنيون بالمشاركة بها، يتجه اليمين في "اسرائيل" الى هزّ العديد من الأسس التي أقامتها الصهيونية العلمانية مع بداية تأسيس الكيان أهمها التكامل الوظيفي بين الجيش والمؤسسة السياسية، فصل السلطات وأهمية الجيش في صنع القرار السياسي.
بدأ اليمين "الإسرائيلي" في تعديل الكثير من المفاهيم، فالاستيطان يمكن أن يؤدي الى اشتباك مع الجيش، وهم مستعدون لذلك في حال صدر قرار بتفكيك المستوطنات تطبيقاً لأي تفاهم أو نتيجة ضغوط دولية لإعطاء بعض الحقوق للفلسطينيين. بالنسبة لليمين، الاستيطان إرث توراتي قومي لا يمكن التنازل عنه كما حصل في السابق حين قرر المستوى العسكري والسياسي التخلي عن قطاع غزة عام 2005.
لم يعد يكفي اليمين السيطرة على المؤسسة السياسية والحكومة، بل تعداها لمحاولة السيطرة على السلطة القضائية وجعلها مطية بيد السلطة السياسية التي يسيطر عليها تحالف اليمين الحالي. ولا شكّ أن محاولة طرد المستشارة القضائية حالياً من قبل بن غفير، والاشتباك السابق حول قانون الإصلاح القضائي يأتي تأكيداً لمحاولة اليمين السيطرة على هذه السلطة وتطويعها، والقضاء على فصل السلطات أو قدرة القضاء على مراقبة أداء السلطة السياسية.
وبالتوازي مع التمدد اليميني الفاشي في مؤسسات الشرطة، يحاول اليمين ايضاَ تطويع الجيش عبر السيطرة على قراراته وفرض وزير دفاع يميني، وهو ما فعله نتنياهو بإقالة يوآف غالانت - الذي كان صوت الجيش في المؤسسة السياسية الحاكمة - وتعيين يسرائيل كاتس مكانه.
ولا تنفصل الحملات التي يشنّها نتنياهو واليمين "الاسرائيلي" على الجيش عن قضية التسريبات في مكتب رئيس الحكومة، وحصول مستشاري نتنياهو على وثائق سرية من الجيش وتسريبها للإعلام الأجنبي، وهو ما دعا اليمين "الإسرائيلي" لسنّ قانون يسمى "قانون فيلدشتاين"، وهو القانون الذي يحاول من خلاله نتنياهو تبرئة مكتبه من جريمة الحصول على وثائق مصنّفة سرّية، وذلك عبر تشريع يمنح الحصانة ويسمح لعناصر من الأجهزة الأمنية بنقل معلومات سرّية الى مكتب رئيس الوزراء حتى بدون الحصول على إذن أو موافقة من قادتهم.
وبالرغم من حملات نتنياهو وفريقه على الجيش، تشير احصائيات معهد دراسات الأمن القومي (INSS) خلال شهر تشرين الثاني / نوفمبر الماضي أن ثقة الجمهور الاسرائيلي بالجيش تبلغ 85%، بينما تبلغ الثقة في المستوى السياسي أدناها، وبالتوازي مع بدء الحديث عن انتهاء الحرب "الاسرائيلية" على قطاع غزة، تعود الى الواجهة ضرورة التحقيق في أحداث 7 أكتوبر، والاخفاقات التي حصلت فيها، وهنا أيضاً يحاول اليمين "الاسرائيلي"، خصوصاً نتنياهو وفريقه، تحميل المستوى العسكري المسؤولية عن هذا الاخفاق، والخروج أبرياء من المسؤولية عبر وضع رؤساء الاجهزة الأمنية كبش فداء، بينما يحاول الجيش حماية نفسه وقادته. وعلى هذا الاساس، ستشهد "اسرائيل" العديد من التحديات السياسية والقضائية والاجتماعية والخضّات والفضائح بعد انتهاء الحرب، وهو ما يحاول نتنياهو تأخيره الى أبعد مدى.