أقلام الثبات
ثمانية أعوام على الفراق، لم ننسَ بعدها النصائح والإرشادات التي علمنا إياها سماحة الشيخ الدكتور عبد الناصر جبري (رضوان الله عليه)، والهدف الأسمى هو إرضاء الله تعالى بخدمة الناس. هذا ما لمسناه خلال حرصه على مواصلة تعليمنا، رغم الحرب المأساوية التي حصلت في سورية، والتي انخرطت فيها كل الأطراف؛ "الإسلامية" وغيرها، بغية إثارة الفتنة وزعزعة النظام.
لا أنسى كلماته الأخيرة التي رددها مدى أربعة أشهر أو تزيد قليلاً، ليقف في كل صباح ويدعو الله سبحانه وتعالى: "اللهم خفف عنا ما يقترب منا"، أسأله متعجباً: وما الذي يقترب منا؟ فيجيب: "أيام سوداء شداد"، فأقول بيني وبين نفسي: وما هي الأيام السود؟ إننا ننعم بوفرة طعام وعمل مستمرَّين، ومستور حالنا في عمل بسيط، فماذا يدور في خوالج شيخنا؟
مضت تلك الأيام ووصلت الأيام السود، جائحة كورونا وتوقُّف البلاد، والأزمة السياسية والاقتصادية التي مرت فيها لبنان، والتي اقترب فيها سعر صرف الليرة إلى حوالي "138000"، وصولاً إلى السابع من أكتوبر المبارك، وما هو إلا عام لتشتعل بيروت وتدمَّر الضاحية.
في ظل هذه الظروف الصعبة نفتقدك، نفتقد تلك النظرة الثاقبة التي تنظر من خلالها إلى البعيد البعيد، نفتقد الصولات الميدانية التي كنا - نحن كشباب - نتعب منها، وهو في عمل دائم ودؤوب.. نفتقد الحنان الأبوي الذي كان يجبر خواطرنا فيه عندما يرى الألم والحزن في أعيننا ليقول: "ما بك يا ولدي؟ هل تحتاج شيئاً"؟ فإن أجاب الطالب كان بها، وإن لم يجب يرسل أحد الإخوة من الطلاب مستفسراً عن حاله، وهذا كله ليعرف المبلغ الذي يحتاجه لأهله، وهذا والله ما كان يحدث طيلة سنوات وأنا إلى جانبه.
كان يرى في الوحدة الإسلامية بوابة العبور إلى فلسطين المحتلة، وطالما دعانا إليها، وأكد على السير بمنهجها ومضمونها، فالاقتتال الطائفي والمذهبي لا يجلب إلا الخراب والدمار والقتل، ويريح بذلك أعداء الأمة الذين يتربصون بنا من كل حدب وصوب.
كنت إلى جانبنا ولا تزال في قلوبنا وضمائرنا.. رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك الفردوس الأعلى، وجعلك شفيعنا يوم القيامة مع أهل القرآن الكريم وخاصته.
ثمانية أعوام ... وكأنها البارحة _ الشيخ د. محمود الاحمد القادر
السبت 21 كانون الأول , 2024 01:18 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة