أقلام الثبات
ليست مشهدية دبابة للجيش السوري جعل منها أحد المواطنين بسطة خضار، أكثر من نموذج عمَّا حلّ بهذا الجيش، بحيث بدا وكأنه انسحب من الميادين وتبخَّر، ليس لصالح "هيئة تحرير الشام" والفصائل المتحالفة معها فحسب، بل لصالح تركيا شمالاً و"إسرائيل" جنوباً.
وإذا كان هدف الأتراك هي "قسد"؛ الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني، والممنوع تركياً من إعلان الحكم الذاتي، فإن العدوان "الإسرائيلي" أمعن ويُمعن في تدمير البُنى التحتية العسكرية والمدنية للدولة السورية على مرأى من القيادة الجديدة، التي لم تفعل لغاية الآن سوى تغيير ألوان العلم السوري، والبدء بشطب كل ما يشير إلى حزب البعث من المناهج الدراسية، بانتظار فحوى المؤتمر الوطني المُزمع عقده في دمشق خلال أيام.
لسنا هنا بوارد ما تتداوله وسائل إعلام "إسرائيلية" وغربية عن زعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع - وفق ما ذكر موقع "إيلاف" - حول أصول عائلته أم لناحية افتراض كونه صنيعة الموساد، ويبدو أن غموض ماضي تنشئة الشرع، وسيناريو السقوط السريع لنظام الرئيس بشار الأسد عززا من نظرية المؤامرة الصهيونية - التركية على سورية، بحيث يتولى الثنائي التركي - "الإسرائيلي" إدارة واقع الأرض المحروقة المحرومة من سيادتها، إضافة إلى بروز نشاط لافت لعناصر من تنظيم "داعش" في البادية السورية، وسيطرتهم على أسلحة عائدة للجيش السوري.
ومع اقتراب ساعة الصفر التركية لدفع فصائل "الجيش الوطني" الموالية لها في الشمال السوري لبدء الهجوم على "قسد"، واحتلال مناطق انتشار الأكراد في الشمال الشرقي من سوريا، مع تأكيدات بمشاركة تركية مباشرة في احتلال عين عرب، ما يٌشكِّل تماساً مع القوات الأميركية الراعية للوجود الكردي الشبه مستقل في أغنى مناطق سوريا بالقمح والنفط وقدرات الاكتفاء الذاتي، فإن الزيارات المتبادلة بين دروز الجنوب السوري مع الشرع وموفدين من طرفه، لن تجمع الفريقين على وحدة سورية بقدر ما هي تخيير الشرع بين حكم ذاتي درزي، أو احتلال "إسرائيلي" للقنيطرة والسويداء، وضمهما إلى الجولان المحتل، بذريعة توسعة المنطقة الأمنية العازلة.
وإذا كانت العين الصهيونية على كامل دول محور المقاومة، مع غض الطرف الأميركي من إدارتي بايدن وترامب، يدَّعي نتانياهو عند كل ضربة لليمن أن جيشه يقوم بضرب "الإرهاب" نيابة عن الجميع، ومن هذا المنطلق، نال الضوء الأخضر لعدوان متوالي على مناطق في سورية، ولاحقاً العراق، على أن تكون الضربة الكبرى موجهة لإيران، بتهمة دعم الحوثيين في اليمن، في "اعتداءاتهم" المباشرة على الكيان الصهيوني، وعرقلتهم لحركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
يبدو للمتابعين أن نتانياهو بالعدوان المتمادي المتوالي قد نصَّب نفسه أميناً على أمن الشرق الأوسط، رغم أنه عاجز لغاية الآن عن ترتيب البيت الداخلي الصهيوني، وعن بيته الخاص جراء بدء محاكمته بتهمتي الفساد المالي والتقصير الاستخباري والأمني والعسكري الذي أوصل "إسرائيل" إلى حالها اليوم بعد عملية طوفان الأقصى، والمواجهة الخائبة في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، وفي هذا الإطار نشرت صحيفة “معاريف” تقريراً جديداً ذكرت فيه أن "منطقة الجليل الإسرائيلية المحاذية للبنان، لم تشهد أي إصلاحات موعودة حتى الآن"، ويقول التقرير, إن "رؤساء بلديات مُدن شمال إسرائيل ينتظرون بفارغ الصبر الميزانيات التي كانت مُقرّرة لمناطقهم، الأمر الذي يُعتبر شنيعاً لكنه غير مفاجئ مع حكومة منافقة تماماً ومنشغلة بنفسها فقط".
ويلفت التقرير إلى أنه مضى ما يقرب من شهر على إعلان وقف إطلاق النار بين لبنان و"إسرائيل"، وحتى الآن لا توجد خطة طوارئ حكومية موحدة لإعادة سكان الجليل إلى منازلهم، وترميم أضرار الحرب وإعادة الوضع في المنطقة إلى طبيعته.
وذكر تقرير “معاريف” أنه تم سماع الكثير من الوعود والإعلانات من الحكومة "الإسرائيليّة" طوال أشهر الحرب، علماً أنه تم إطلاق وعود بتخصيص ميزانيات ضخمة لتلك المستوطنات، لكن رؤساء البلديات والمجالس الإقليمية ما زالوا ينتظرون تلك الأموال، ولم يروا خطوة عملية واحدة من شأنها أن تخلق شعوراً بأن الترميم يبدأ هنا وهناك.
وتضيف "معاريف": الأمر غير مستغرب، فالحكومة فاشلة تماماً، وتهمل الأمور الأساسية وتتعامل مع ما يتعلق ببقائها، ولو كانت هناك حكومة طبيعية، لرأينا الجرافات تتحرّك في كريات شمونة، المطلة، شتولا، المنارة، نهاريا، شلومي من أجل أن تعمل بكامل قوتها”.
وإذا كان الحقد "الإسرائيلي" ناتج عن فشل إقناع مستوطني الشمال بالعودة إلى حطام مستوطناتهم، ويُترجم بالخروقات الصهيونية لوقف إطلاق النار مع لبنان، فإن الوضع في قطاع غزة باقٍ على ما هو عليه مع بقاء العين الصهيونية على سيناء لتهجير فلسطينيي القطاع، فإن الضفة الغربية حسم أمرها وزير المالية الصهيوني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، يوم الإثنين الماضي وقال: “حان الوقت لتطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية”، و“عام 2025 سيكون عام السيادة في الضفة الغربية، بحسب ما أوردت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية.
وأشار سموتريتش إلى أنه وجه تعليماته لقسم الاستيطان في وزارة الدفاع "الإسرائيلية" والإدارة المدنية، بالبدء في العمل التحضيري الشامل والمهني لإعداد البنية التحتية اللازمة لتطبيق السيادة. وأضاف سيموترتش: حان الوقت في حقبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجديدة لفرض السيادة "الإسرائيلية" على الضفة الغربية.
في الخلاصة، بإمكان بعض المراقبين الاعتبار؛ أن روسيا "باعت" سورية من أجل أوكرانيا، لكن "الإسرائيلي" مشكلته باقية مع قطاع غزة ومع الضفة الغربية مهما طالت يد عدوانه بعيداً وصولاً إلى الداخل الإيراني، ولكن العبرة تبقى في المواجهة مع الداخل، وسبعة ملايين فلسطيني بين القطاع والضفة، خطة تهجيرهم ستفتح حرباً مع مصر وقد تهدد العرش الأردني، إذ لا وجهة لفلسطينيي غزة سوى سيناء، وفلسطينيي الضفة الغربية سوى الأردن.