أقلام الثبات
توجس العديد من السوريين، ومعهم بعض الدول العربية، مما قاله الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في اجتماع أمام أعضاء حزب العدالة التنمية في أنقرة "إن أولئك الذين يتساءلون عن دور تركيا في سوريا هم يجهلون التاريخ.. فلو اختلفت الظروف حين تم ترسيم الحدود في منطقتنا بعد الحرب العالمية الأولى، فإن المدن التي نسميها حلب وإدلب وحماة ودمشق والرقة كانت ستكون محافظات تابعة لنا تماماً مثل غازينتاب وهاتاي وأرفا، وبما أن تلك المدن أصبحت خارج حدودنا، فإننا لم نقطع تماماً علاقاتنا مع أهلنا هناك".
هذه التصريحات، تذكّر الى حدٍ بعيد بتصريحات ممثالة في بداية "الربيع العربي"، خصوصاً في مؤتمر "الإخوان المسلمين" العالمي عام 2012، من قبل أعضاء من حزب العدالة والتنمية، وأهمهم أحمد داوو أغلو، الذي كان وزيراً للخارجية التركية حينها، قبل أن يصبح رئيساً للوزراء ثم ينفصل عن الحزب فيما بعد.
قد تكون التجربة المصرية في حكم مرسي مؤشراً الى أنه يجب عدم التسرع في الاحتفال بالحصول"على كل شيء"، لان التطورات الاقليمية والدولية وحسابات الدول الفاعلة وقدراتها قد تقلب الأمور، وعلينا ان نورد بعض الملاحظات حول قدرة الاطراف الخارجية الفاعلة في المشهد السوري، بالاضافة الى التركي، الذي يبدو – لغاية الآن - بالاضافة الى "اسرائيل"، هو الرابح الأكبر.
1- "اسرائيل": يبدو "الاسرائيلي" رابحاً أكبر حالياً في سوريا، بعد سيطرته على المنطقة العازلة، ووصوله الى قمم جبل الشيخ، وتدمير كل مقومات الدفاع على الدولة السورية، ما يجعلها في المستقبل القريب والمتوسط دولة منزوعة السلاح، خصوصاً في ظل الازمة الاقتصادية التي تجعل من الصعب الانفاق على إعادة التسلح.
إن رغبة "اسرائيل" بتقسيم سوريا قد تضيف الى القلق التركي من مستقبل التقسيم في المنطقة ككل.
2- الولايات المتحدة: يرسم الاميركيون حالياً شرق أوسط جديد، لن يسمح فيه لأحد بأن يكون قوة اقليمية قادرة على تقويض الستاتيكو الاميركي الجديد، والتركي ليس استثناء.
دعم الاميركيون معارضات مسلحة متنوعة في سوريا، بالاضافة الى دعم قسد التي ساهمت في القضاء على داعش، ولن يسمحوا للتركي بالاستفراد بحكم سوريا، وهو ما نراه من تصريحات الخارجية الأميركية، كذلك من بيانات المسؤولين الأميركيين حول الشراكة في حكم سوريا.
زد على ذلك، ان ترامب وبصداقته المعروفة مع دول الخليج العربي، قد يعمد الى تغيير المشهد في حال شعرت تلك الدول بالخطر على أمنها القومي من صعود المد "الاسلامي" في سوريا، ما يقلق كلاً من مصر والاردن، وبعض الدول الخليجية.
3-الدول العربية الفاعلة: لا شكّ ان للدول العربية قدرات في التواصل مع السوريين، سواء العشائر أو المعارضات المتنوعة أو الرموز السورية الاقتصادية والسياسية من خارج النفوذ التركي، ما يجعل استفراد التركي بالنفوذ في سوريا أصعب.
4- الاتحاد الأوروبي: يريد الاتحاد الأوروبي ان يعيد اللاجئين السوريين الى وطنهم، وبامكان الاتحاد المساهمة بقوة في إعادة الاعمار في سوريا وإزالة "جبهة النصرة وقيادييها" من لائحة الارهاب، للتواصل معها والانفتاح على الحكم في سوريا.
ونظراً إلى التوتر الذي حصل بين أردوغان والاوربيين في وقت سابق، سيصرّ الأوروبيون على حكم تشاركي في سوريا، وعدم استفراد هيئة تحرير الشام بالحكم، قبل أن ينفتحوا على الحكم في دمشق.
5- الروس والايرانيون: لدى الروس قدرة على وضع فيتو في مجلس الأمن لمنع إزالة "جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام حالياً) عن لائحة الإرهاب الأممية، علمأ أن بقاءها على تلك اللائحة يصعّب قدرة العالم على التعامل معها، وعلى إعادة إعمار سوريا، ويبقي الأزمة الاقتصادية السورية هاجساً يقلق الحكم الجديد.
تتحدث التصريحات الروسية والايرانية عن معاودة التواصل مع الأتراك للتباحث في مستقبل سوريا. وكان المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط ودول إفريقيا ونائب وزير الخارجية؛ ميخائيل بوغدانوف، قد اعلن أن موسكو تعوّل على عقد اجتماعات جديدة مع تركيا وإيران لإجراء مباحثات حول الوضع في سوريا.
أما الإيرانيون فقد اعلنوا عن إمكانية عودة سفارتهم الى العمل في دمشق، بالرغم من الكلام الهجومي للجولاني (أحمد الشرع) حول أن العدو هي إيران وحزب الله.