السلاح الأبيض قد ينتفض على الواقع الأسود ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 10 كانون الأول , 2024 09:11 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

قد يكون ما حصل في سورية من أبرز التحولات السياسية المعاصرة، ولا شأن لنا بمَن اجتاز بوابة دمشق وقَلَب النظام مادام سورياً، بصرف النظر عن الأيادي المجرمة التي عبثت وما زالت بتاريخ سورية وجغرافيتها منذ العام 2011، سواء كانت اليد من الجوار التركي والصهيوني، أو كانت من أقاصي أميركا الجنوبية، ولا مُتسع لدينا لذكر ثمانين دولة أمعنت إرهاباً وقتلاً وتدميراً وتهجيراً بالشعب السوري، ولا عتب على الأبعدين مادام بعض العرب كانوا السبَّاقين في ذبح العرب.

وللأمانة نعترف، أن المسألة عندنا ليست بمَن يحكُم الشام، سواء كان بشار الأسد أو "هيئة تحرير الشام"، وآن الأوان لبلاد الشام أن يحكمها أهلها عبر الانتخابات، وبارك الله بمستوى الكفاءات السورية الفكرية والأكاديمية والعلمية والأدبية.

بمحض الصدفة، خلال متابعة أخبار مستجدات "بلاد الشام"، ارتسمت أمامي إحدى قصائد الشاعر الدمشقي الكبير نزار قباني، يخاطب فيها العرب منذ عقود ومما ورد فيها:

لم يبق فيهم لا أبو بكر.. ولا عثمان..
جميعهم هياكل عظمية في متحف الزمان..
تساقط الفرسان عن سروجهم..
وأعلِنت دويلة الخصيان..
واعتُقل المؤذنون في بيوتهم ..
وألغي الأذان..
جميعهم قد ذبحوا خيولهم..
وارتهنوا سيوفهم..
وما كان يُدعى ببلاد الشام يوماً..
صار في الجغرافيا يُدعى "يهودستان"..

ليس هناك أصدق من توصيف نزار للعرب، بل بدا وكأنه يخاطبهم اليوم من عليائه بقصيدة من ماضيه، عن ماضي وحاضر ومستقبل العرب، حين كانت عيونهم شاخصة على مَن سيدخل دمشق ومتى، ...عيونهم المكسورة الذليلة تلك لا تجرؤ على النظر الى غزة ولبنان وجنوب سورية، حيث يعربد الصهيوني، ويدوس الكوفية العربية بما تستحق من تحقير، ويبصم بدعساته وبدماء عشرات آلاف الأبرياء من الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين على هذه الكوفية، التي باتت مرفوعة فوق معظم الأعلام العربية ويُعزف لها نشيد النحيب العربي.

قد تخطف دمشق الآن بعض الوهج من غزة ولبنان، والجامع الأموي تكاد ترنو إليه الأنظار أكثر من المسجد الأقصى، مع وجود قاسم مشترك في رمزية هذين المَعلمَين الكبيرين، أن رجب طيب أردوغان يحلم بالصلاة في الجامع الأموي بسلطته العثمانية، وإيتمار بن غفير يتلو صلواته التلمودية في المسجد الأقصى على مرأى من كل العرب.

ومع استمرار العدوان "الإسرائيلي" على غزة والضفة الغربية، والخروقات الاستفزازية للأراضي اللبنانية، وتكثيف الاعتداءات الجوية والبرية على الجنوب السوري في استغلال وقح للوضع السوري، ترتسم الخيارات في مواجهة العدوان بعيداً عن وحدة الساحات، وعن "التضامن العربي" الذي لم يحصل يوماً.
وإذا كان وقف إطلاق النار مع لبنان هو واقع لا محالة خلال الفترة المتبقية من مهلة الستين يوماً، بفضل التفاهم الضمني بين الجيش والمقاومة لتطبيق القرار 1701، فإن الوضع السوري ينتظر قرار "قيادة العمليات العسكرية" التي تستعد لتشكيل حكومة انتقالية، وتفعيل مؤسسات الدولة السورية بما فيها الجيش، فإن الوضع الفلسطيني باقٍ ملتهباً بانتظار "اليوم التالي" الذي لن يقرره بنيامين نتانياهو ولا حكومته العنصرية.

خطورة الوضع الفلسطيني هي على الكيان الصهيوني نفسه، مهما عززت حكومة نتانياهو سلطتها العسكرية على غزة والضفة الغربية، والتمهيد لبناء المستوطنات في الضفة، والمنشآت النفطية والسياحية في القطاع، فإن معضلة وجود سبعة ملايين فلسطيني على أرضهم لا حلًّ لها سوى بإقامة دولة فلسطينية، حتى ولو قام الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بتطويب الضفة تحت عنوان توسعة مساحة الكيان المحتل، وفي هذه الحالة تخرج القضية الفلسطينية عن كونها محض فلسطينية، وليستعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي - الساكت حالياً عن احتلال محور فيلادلفيا - للدفاع عن حدود بلاده وعن اتفاقية كامب دايفد، وليستعد الملك الأردني عبدالله بن الحسين للدفاع عن الضفة الشرقية واتفاقية وادي عربة، والشعب الفلسطيني سلاحه بمتناول يده لتقويض أمن الكيان الصهيوني ما لم يحقق حلمه بدولة، طالما هناك مركبة للدهس الصهاينة، وسكين للطعن وحجر للرجم، والسلاح الأبيض لا يحتاج لتمويل.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل