أقلام الثبات
تسارعت التطورات الميدانية في سورية، التي يلفها الغموض، خصوصًا لناحية الأسباب التي دفعت الجيش العربي السوري إلى إعادة إنتشاره في عدد من المحافظات السورية، كحلب، حماه، درعا، والسويداء. بالتأكيد لا أحد يعرف الأسباب الحقيقة الدقيقة التي دفعت القيادة العامة للقوات المسلحة إلى إتخاذ هذا الإجراء العسكري الميداني، غير أن بعض المحللين يعتبرون أنه يجنّب الشعب السوري والمدن السورية المزيد من سفك الدماء، والدمار، خصوصًا أن بعض مناطق المحافظات المذكورة، لا تزال تشكّل بيئة حاضنة للإرهابيين التكفيريين، ما يعرّض حياة المدنيين والعسكريين للخطر على حدٍ سواء.
كالإعتداء على الحواجز الأمنية على مداخل بعض المناطق، كما حدث في درعا، على سبيل المثال. يذكر أن درعا وتلبيسة والرستن، شهدت "مصالحات" رعاها الجانب الروسي، وبموجبها لم يخرج المسلحون من المناطق المذكورة، وإثر تمدد الإرهاب في الشمال السوري وحماه، تحرك المسلحون التكفيريون مجددًا في تلك المناطق، وقاموا بعراضاتٍ مسلحةٍ فيها، أو أخذ الصوّر على مداخل بعض المناطق و في داخلها، ثم نشرها، لإيهام الرأي العام بأنهم سيطروا عليها، بهدف ضرب معنويات السوريين، ومحاولة "إسقاط" مناطقٍ جديدةٍ بالإعلام التضليلي. يذكر أن الإعلام الغربي وبعض العربي جنّد بالكامل لهذه المهمة. طبعًا، هذا لا يلغي حقيقة وجود الأزمة الأخيرة وعمقها وخطورتها، ليس على سورية فحسب، بل على المنطقة بأسرها، بعد تمدد الإرهابيين التكفيريين في أجزاء من الأراضي السورية، بإدارةٍ وتوجيهٍ مباشرٍ من ثلاثي "إسرائيل- تركيا- الولايات المتحدة"، وبمساندةٍ ودعمٍ من أوكرانيا، تحديدًا بسلاح المسيّرات. وتقاطعت مصالح الأطراف الأربعة على دفع المسلحين التكفيريين إلى هذا التمدد، فثنائي واشنطن- "تل أبيب" يسعى إلى قطع خطوط إمداد محور المقاومة الممتد من إيران- العراق- سورية- لبنان، من خلال الضغط على الحكومة السورية بأدوات الإرهاب، كذلك من خلال نشر مجموعاتٍ تكفيريةٍ مسلحةٍ في المناطق الحدودية بين العراق وسورية، للغاية عينها، أي محاولة تطويق "المحور"، بعد فشل العدو الإسرائيلي ومن خلفه حلف الناتو في القضاء على المقاومة في لبنان، رغم الحرب التدميرية الشعواء، التي إستهدفت هذه المقاومة. والجانب الأوكراني أراد توسيع رقعة مواجته مع روسيا، لتشمل الميدان السوري. أما رئيس النظام التركي رجب الطيب إردوغان، المتورط في الحرب الأطلسية- الروسية، لمصلحة النازيين الأوكران، من خلال تزويدهم بالمسيرات التركية، لمواجهة الجيش الروسي، يدرك تمامًا أن تورطه هذا، لن يمر مرور الكرام. لذلك إستثمر ولا يزال يستثمر في الإرهابيين لتحقيق أطماعه التوسعية.و راهنًا، قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجددًا، أي قبل بدء مرحلةٍ سياسيةٍ جديدةٍ، دفع إردوغان مسلحيه بدعمٍ غربيٍ- "إسرائيلي" إلى التمدد في سورية، لتعزيز أوراقه التفاوضية في وجه الحلف الروسي- السوري، بعد رفض الرئيس بشار الأسد، عقد أي لقاء مع رئيس النظام التركي، قبل إنهاء إحتلال قواته لأراضٍ سوريةٍ. كذلك يحاول عبر إدوات الإرهاب السيطرة على طريق حمص- دمشق، لقطع طرق إمداد المقاومة في لبنان، ليقدّم بذلك أوراق إعتماده لدى كل من واشنطن و"تل أبيب"، على أنه الطرف الصالح المؤهل للحفاظ على المصالح "الأميركية- الإسرائيلية" في المنطقة. أي هو القادر على ضرب النفوذ الإيراني في المشرق العربي. لذا من المؤكد أن إيران وحزب الله لن يسكتا على تجاوز إدروغان، وسيندفعان إلى مساندة دمشق ودعمها. كذلك الأمر بالنسبة للجانب الروسي، الذي يتمسك بوجود قواته على البحر الأبيض المتوسط، تحديدًا على الساحل السوري، من خلال تحالفه مع الحكم في سورية. أضف إلى ذلك، أن موسكو لم ولن بالتمدد التكفيري الإرهابي في سورية، لأنه يشكّل خطرًا مباشرٍ على الأمن القومي الروسي، لأن نشوء "إمارة تكفيرية" على الأراضي السورية، حتمًا "سيلهم" التكفيريين في الدول الإسلامية التي كانت منضويةً في الإتحاد السوفياتي السابق، كذربيجان - أوزبكستان - طاجيكستان - تركمانستان – كازاخستان، إلى نقل التجربة التكفيرية في سورية، إلى هذه البلدان المجاورة لروسيا، خصوصًا بعد إنخراط عددٍ كبيرٍ من المسلحين من تابعية تلك الدول في العمليات الإرهابية في سورية. أضف إلى ذلك، هل تسمح الدول العربية بتمرير "المخطط الجهنمي التكفيري"، الذي يرمي إلى إحتلال تنظيم القاعدة لدولةٍ عربيةٍ ذات سيادةٍ، ما يتهدد أمن الدول العربية والمنطقة بأكملها؟ يذكر أن معلومات إعلامية موثوقة، كشفت أن ضيفًا عربيًا كبيرًا زار العاصمة السورية، وإلتقى الأسد، وأكد الضيف دعم الدول العربية لوحدة سورية وسيادتها، ودعمها في حربها على الإرهاب.
وجاء الرد الأول على نظام إردوغان، من خلال التفاهم بين الجيش السوري و"قوات سوريا الديمقراطية- قسد" (عدو تركيا)، على تسليمها مسؤولية الامن في مناطقها، وانسحب ليؤمّن المدن السورية ويواجه الارهابيين.
ويشكّل هذا الامر ضربة كبيرة للمشروع التركي، اذا أن اردوغان كان يريد احتلال الجغرافيا السورية ويقضي على المشروع الكردي على حد سواء.
ويبقى الرد الحاسم في الميدان، إذا لم يعد النظام التركي إلى التزام، إتفاق خفض تصعيد القتال في سورية، الذي يمنع تقدم مسلحي أنقرة في إتجاه الأماكن الآمنة الموجودة تحت سلطة الدولة، كذلك على الا تهاجم القوات السورية وحلفاؤه مناطق وجود المسلحين في الشمال السوري، الذي تواقف عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع إردوغان، في أيار 2020، وخرقه الأخير في الأيام الفائتة. ولكن يبدو عاد إلى هذا الإتفاق، وبدا هذا الأمر جليًا،من خلال مقرارات لقاء الدوحة، بين روسيا، إيران، وتركيا.
بالوقائع الدامغة... هكذا سقط "المشروع الإردوغاني" في سورية مجددًا _ حسان الحسن
السبت 07 كانون الأول , 2024 08:11 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة