لبنان.. لا رئيس يجمع.. بل "مايسترو" يعزف للجميع _ أمين أبوراشد

الثلاثاء 03 كانون الأول , 2024 01:10 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

بدايةً، لا أحد بإمكانه واقعياً تجيير الفضل في وقف إطلاق النار بين لبنان و"إسرائيل" لغير حامل بندقية المقاومة في المواجهات البرية، وتفاصيل يوميات هذه المقاومة مع العدوان البري الصهيوني على بلدات الحافة الحدودية، تُنشر لاحقاً على كافة وسائل الإعلام، لكن نكتفي الآن بالقول، إن "جيش الدفاع الإسرائيلي"، وفق وسائل إعلام صهيونية، عانى على الجبهة اللبنانية البرية إلى حدود عصيان الجنود لأوامر قادتهم، ورفض عناصر الاحتياط الالتحاق بألوية الجيش على الجبهة مع لبنان، والرهبة التي يعيشها رؤساء المستوطنات الشمالية من شبح حزب الله انعكس على المستوطنين الرافضين أصلاً العودة إلى بيوتهم، لدرجة أن جيش العدو، عبر منشورات ورقية، ورشقات نارية وتفجيرات، ما زال يمنع سكان بعض البلدات والقرى الحدودية اللبنانية العودة إلى منازلهم، كي لا تزداد الحسرة في نفوس "الإسرائيليين" المرتعدين من الجيرة اللبنانية، سيما أنهم يرُون في كل مواطن لبناني عائد إلى أرضه وجهاً من نصر لحزب الله.
لا ننكر الدور الفرنسي الكبير في مساعي وقف إطلاق النار بين لبنان والعدو "الإسرائيلي"، وفرنسا أثبتت أنها صديقة للجميع في لبنان حتى قبل العدوان، عبر مساعيها لانتخاب رئيس للجمهورية، وبعد العدوان أصرَّت المقاومة على وجود فرنسا في لجنة المراقبة الدولية لوقف إطلاق النار واستبعاد بريطانيا وألمانيا عن هذه اللجنة، مع الإقرار بالجميل للدول العربية، وفي طليعتها قطر، للدعم السياسي والإغاثي، بهدف تمكين الشعب اللبناني من الصمود ضمن الحد الأدنى.

وإذا كان الانتصار، بمعناه التكتيكي، تحقيق الدمار والإبادة في غزة وبعض مناطق لبنان، فنحن نعترف لنتانياهو أنه انتصر، لكن تحقيق الأهداف على واقع الأرض هو النصر الحقيقي في البعد الاستراتيجي، ونتانياهو أمام معضلة الفشل في تحقيق الأهداف، فلا هو استطاع تهجير سكان قطاع غزة الى سيناء لغاية الآن على الأقل، ولا أبناء الضفة الغربية الى الأردن، ولا شيعة لبنان إلى العراق؛ كما ينصّ مشروع "الشرق الأوسط الجديد".

"تهجير شيعة لبنان إلى العراق"، إلى هذا الحد وصلت أوهام بعض خصوم المقاومة، ربما لأنهم استعجلوا حصاد السنابل وهي فارغة، أو قطاف كرم العنب والعنب حصرماً، علماً أن الرهان على اجتياح ما للعدو كما حصل في العام 1982، جعل البعض ينتظر الدبابة "الإسرائيلية" كي تحمله الى مفرق بعبدا، حيث مفتاح القصر لن يكون في حارة حريك، وسقط لديهم سهواً أن حزب الله الذي خسر قائداً بحجم السيد الشهيد حسن نصرالله، لم يخسر نهج المقاومة، ولا أضاع البوصلة عن المصلحة الوطنية، والبوصلة هي في القرار 1559، والوجهة هي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقرى السبع، وأيضاً ضمان حقوق لبنان في حقول الغاز، ولو راجع البعض من هؤلاء تصريحاتهم العنترية، على وقع قصف الضاحية والجنوب والبقاع، لعرفوا الآن حجم خيبتهم، إذا تسنى لهم قراءة القرار 1701 الذي ينصّ في ختامه على ترسيم الحدود البرية مع "إسرائيل".

وليست حلبة الملاكمة اللبنانية جديدة كي نُحمِّل حزب الله والمقاومة وِزرَ إيقافها، لأن قبضات المواجهة البينية مرفوعة منذ العام 2005، ودامت في عهدي الرئيسين ميشال سليمان وميشال عون وما بينهما وما بعدهما، والفراغ الرئاسي لا ينتظر "إسرائيل" أو أي عدو آخر لإنجاز الاستحقاق، واللجنة الخماسية قد حفيت أقدامها من الجولات المكوكية لاستيلاد رئيس يجمع اللبنانيين، ولكن عبثاً، فكان لا بُد من مايسترو مطلوبة ولادته في التاسع من كانون الثاني المقبل، يعزف للجميع ألحان خيبة لبنان بالجميع.

قد تكون ترتيبات القرار 1701 فرضت على الجميع الذهاب إلى المجلس النيابي في التاسع من كانون الثاني، لكن اللجنة الخماسية لم تعُد صندوق بريد للأطراف اللبنانيين، بل يبدو أنها حسمت أمرها وحددت الدور، سيما أنها غير مهتمة بمَن سيكون الرئيس، رغم إصرار دولتين من أصل خمس على قائد الجيش العماد جوزف عون، وهما أميركا وقطر، لكن أميركا منشغلة الآن بالانتقال الرئاسي، وقطر ليست منغمسة سياسياً في المستنقع اللبناني، ولا تبحث عن سلطة على الشارع السني الموالي معظمه للسعودية، والمملكة ليس لديها الاسم الماروني الممكن تسويقه، لأن أقرب الموارنة إليها هو السيد سمير جعجع، وهو أبعد المرشحين عن سوق العرض والطلب.

تبقى مصر مع فرنسا ضمن اللجنة الخماسية، ومصر ليست على ما يرام داخلياً نتيجة التوتر على الحدود مع قطاع غزة وتهديدات "إسرائيلية" غير مباشرة بتهجير فلسطينيي قطاع غزة إلى سيناء، وبذلك تنفرد فرنسا بإدارة اللجنة الخماسية بمباركة أميركية، كون لبنان هو في الأساس من حصة فرنسا في الشرق الاوسط، وهذا من حقها على المستوى السياسي الدولي بصفتها من الدول الخمس الكبرى، خاصة بعد خسارات مواقع سياسية لها في إفريقيا.

مفتاح قصر بعبدا انتقل من حارة حريك إلى باريس، بموافقة صريحة من حارة حريك، تقديراً لمواقف فرنسا المتوازنة بين الفرقاء اللبنانيين، والمشكلة هي في استيعاب بعض المغرورين أن مفتاح بعبدا لا يمكن أن ينتقل لا إلى معراب ولا إلى بكفيا، و"لبنان ما بعد حزب الله" هو في أوهامهم فقط، والبضعة آلاف من الشيعة الذين انتقلوا إلى العراق كمكان آمن للعائلات والنساء والأطفال، حزموا أمتعتهم للعودة قبل النازحين إلى الشوف والإقليم، وهذه العودة على أعين صهاينة الداخل هي بحد ذاتها بعض الانتصار.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل