أقلام الثبات
في مشهد مستغرب وبدون مقاومة تذكر، اجتاحت فصائل مسلحة قرى وبلدات في محافظة حلب تسيطر عليها الحكومة السورية، والتي تم تحريرها عام 2016، قبل أن يعود الجيش السوري الى استعادة السيطرة على عدد من البلدات التي اجتاحتها التنظيمات المسلحة.
ومباشرة بدأت الاتصالات الدولية والاقليمية، فكانت كل من سوريا وتركيا محور تلك الاتصالات. أتت اتصالات الدعم الى سوريا من معظم الدول العربية، أما تركيا التي لها سيطرة واسعة على الفصائل المسلحة التي تشنّ الهجوم، فكانت أبرز اتصالات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، مع الأميركيين والروس والإيرانيين والسعوديين..
حاول الأتراك عبر أكثر من مسؤول سياسي التأكيد أن لهم مصلحة في استقرار سوريا وعدم دفع الأمور الى الفوضى، تتقاطع مصلحة تركيا مع مصلحة أميركية - "اسرائيلية" بخصوص سوريا، بعدما حصل تقدم "اسرائيلي" الأسابيع الماضية في الجنوب باتجاه القنيطرة، وقام جيش الاحتلال بعمليات تجريف ورفع سواتر لقطع طرق الإمداد بين لبنان وسوريا، وإغلاق المدى الذي يتحرك حزب الله ضمنه.
ويمكن ان نرصد الاهداف المختلفة على الشكل التالي:
- أميركا و"اسرائيل" يريدان خروج القوات الايرانية من سوريا، كذلك هناك مصلحة للدول العربية تقليص النفوذ الايراني السياسي والعسكري في سوريا.
- هناك هدف أميركي - "اسرائيلي" أساسي هو أن يتعهد السوريون بمنع وصول شحنات السلاح الى حزب الله (الامر الذي حاول الاسرائيلي ان يحصل عليه من الروس لكنهم رفضوا وقالوا إن تفويض القوات الروسية لا يتيح لهم فعل ذلك).
- في هذا الإطار، أيضاً أن يقوم "الاسرائيلي" باستغلال الوضع في سوريا لتحريض "داعش" وغيرها على احتلال مناطق على الحدود العراقية السورية، لذا أعلن العراق أنه أرسل ألوية عسكرية إلى الحدود العراقية السورية مساهمة في الحفاظ على أمن البلدين، وخشية أن يكون هناك تدفق مقاتلين من الجهاديين أو "داعش" بين البلدين.
- يريد الغرب وضع ضغوط على بشار الأسد للتفاوض مع المعارضة لتقديم تنازلات سياسية والتوصل الى حل سلمي، ينهي الازمة السورية ويسمح بانفتاح أوروبي على الأسد لإعادة اللاجئين، ويترافق مع التطورات في لبنان وإنهاء الفوضى في المنطقة. وعليه، لا يمكن الانفتاح على سوريا والمساهمة في اعادة الاعمار بدون أن يكون هناك خروج ايراني من الجغرافيا السورية والتوصل الى حل سياسي سوري.
لا شكّ أن لتركيا مصلحة ايضاً في الهجوم المسلح على مراكز السلطة في سوريا:
أ- تقديم أوراق اعتماد للأميركيين:
- عرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداد تركيا لتحمل مسؤولية إدارة مناطق الانتشار الأميركي في سوريا، في حال قرر ترامب الانسحاب منها.
- في الأسبوع الماضي تحدث الأميركيون عن امكانية الطلب من تركيا أن تقوم بوساطة في ملف غزة. وكانت تركيا منذ بداية الحرب في غزة عام 2023، ولعدة مرات، أن تكون دولة ضامنة في غزة، لكن "اسرائيل" رفضت، ومصر والدول العربية لا مصلحة لها في ذلك.
- تطمح تركيا أن يعطيها الأمريكي دور في مستقبل غزة، ليكون لها موطئ قدم على المتوسط، ولما في بحر غزة من غاز، ولوجود غزة على حدود مصر ما يسمح لها بلعب دور اقليمي في المنطقة تطمح إليه منذ الربيع العربي.
بكل الأحوال، يبدو واضحاً من التصريحات المختلفة أن الهدف هو الضغوط على الحكم في سوريا لتقديم تنازلات وتعهدات سياسية، ومن غير المتوقع أن يكون هناك دعوات لتغيير النظام في سوريا أو القدرة على ذلك، لقد انتفت هذه القدرة والبديل غير متوفر، بالإضافة الى أن لا رغبة لدول المنطقة ولا الاميركيين ولا الاوروبيين في هذا التغيير أو إعادة عقارب الساعة الى الوراء الى عام 2011.