الهجوم الأميركي على سوريا… بعد غزة ولبنان _ د. نسيب حطيط

الأحد 01 كانون الأول , 2024 07:58 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن ان اميركا تتقدّم في الشرق الاوسط عبر هجومها المضاد لإعادة السيطرة وتثبيت "إسرائيل"، كقاعدة مركزية في الشرق الاوسط، وللقضاء على حركات المقاومة ودولها وقياداتها؛ في عملية اجتثاث شاملة تشابه الحرب الأميركية لاجتثاث "الشيوعية"، والتي نجحت فيها، وتعتقد اميركا انها حقّقت نجاحات ثمينة في فترات زمنية قصيرة مقارنة مع حروبها في فيتنام وافغانستان والعراق، والمواجهة الناعمة والساخنة احياناً مع إيران لأكثر من 40 عاما بعد الحرب العراقية عليها.
استغلّت اميركا الفرصة الذهبية لانشغال المقاومة بالتصدي للاجتياح البرّي والجوّي "الإسرائيلي"، مما استدعى حشد كل قواتها في لبنان، وقلّل من امكانية حضورها الفاعل في الميدان السوري، والذي لعب دوراً اساسياً طوال عشر سنوات، مما يجعل المقاومة امام خيارين، إما تدعيم جبهة لبنان، والذي سَيُحدث فراغاً معنوياً ومادياً في الميدان السوري، او الانتقال الى سوريا، مما سيفرغ ساحة لبنان ويفتح الطريق امام استكمال الاجتياح البري "الإسرائيلي"، ويستفيد المشروع الأميركي بمرحلته الثانية من غياب قادة المقاومة الذين قادوا المرحلة الأولى من المواجهة في الربيع العربي (السيد الشهيد - سليماني - أبو مهدي المهندس - السنوار وأغلب القيادات الميدانية).
يتقدّم الهجوم الأمريكي بعد إسقاط غزة والحرب على لبنان، والتي انتهت (مؤقتاً) نتيجة الصمود الأسطوري للمقاومة "باتفاق الضرورة" الذي يمكن تسميته "الهدنة غير المضمونة"، لأن مصلحة التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" استوجبت قبولهما بوقف النار في هذه اللحظة دون التوغل أكثر بسبب الفشل "الاسرائيلي" في هزيمة المقاومة.. ولكسب اميركا ثماراً سياسية في الداخل اللبناني ومباغتة الدولة السورية بالهجوم الشامل ضمن التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" - التركي - التكفيري )متعدّد الجنسيات بعد هدوء ومساكنه لأكثر من ثلاث سنوات بهدف أسقاط الساحة الثالثة للمقاومين (سوريا) بعد غزة ولبنان.
    يهدف الهجوم الامريكي في سوريا لتحقيق اهداف عجز عن تحقيقها طوال 10 سنوات من "الربيع العربي"، ويرى ان اللحظة مناسبة لتحقيقها بوقت قصير، وبخسائر قليلة ليست من عديد جيوشه وانما من جماعات تكفيرية، يجمعها من كل العالم وبتمويل عربي لاصطياد الطريدة السورية دون خسائر مالية او بشرية، بل على العكس؛ فقد جني أرباحاً سياسية واقتصادية من سرقة نفط سوريا وثرواتها، أما هذه الاهداف القديمة والجديدة، فيمكن تلخيصها بالتالي:
- قطع طريق الإمداد على المقاومة في لبنان بطريقة ميدانية، بالتلازم مع تنفيذ "اتفاق تشرين" والتي يعرف الاميركيون عدم فعاليته الكاملة ،لأن أي رقابة او تفتيش لن تمنع تهريب السلاح الى لبنان ولابد من قطع الطرق داخل سوريا والسيطرة على جغرافيا محاذية للحدود اللبنانية_ السورية من جماعات غير النظام (التكفيريون) مع محاولة دعم جماعات إسلامية في الشمال اللبناني بقيادة تركية، للتكامل مع الجماعات التكفيرية في سوريا وإقامة منطقة عازلة في لبنان وسوريا ،امنع التهريب  واستنساخها في منطقة البقاع الغربي والمصنع والقرى "السنية" التي يحتشد فيها النازحون السوريون.
- الضغط على  النظام في سوريا لتطويعه وتدجينه وارغامه على الانفصال الكامل عن محور المقاومة ،لاعتقاد أميركا وبعد التجربة ، ان عدم سقوط سوريا بيدهم يعني عدم سقوط النظام العربي كاملاً ،بالإضافة لقطع الطريق امام التطبيع العربي  - "الإسرائيلي" والمبايعة لأميركا ،لأن بقاء سوريا سيجمع معها بعض الدول العربية المعارضة للتطبيع مع "اسرائيل" او يبقيها على الحياد، مما يجعل عمليه التطبيع منقوصة حتى لو كان كل الخليج مندمجاً فيها(فهو قوة مالية غير عددية وغير فكرية)  ولأن ثلاثية (سوريا والعراق ومصر) لا زالت تشكل الرأي السياسي العربي الميداني والفكري وتميل  اميركا ،لتطويع النظام وتأديبه  وعدم اسقاطه ،كما حصل في ليبيا ،لأن إسقاط النظام لن يجعل كل سوريا بيد اميركا وستبقى جغرافيا موالية للعراق وللمقاومة في لبنان ،مما يُفشل المشروع الأميركي، لحصار المقاومة في لبنان وتأمين الأمان "لإسرائيل" على جبهة سوريا.
  ان إستراتيجية الهجوم الاميركي تعتمد على مخطط "استفراد الساحات " وقتالها منعزلة عن بعضها وإسقاطها واحده تلو الاخرى والاعتماد على التحالفات كما في غزة، حيث تحالف الاميركيون وإسرائيل والغرب والعرب والأتراك والسلطة الفلسطينية وشيوخ الأنظمة وفي لبنان تكرّرت نفس التجربة لتحالف اميركي –غربي - "إسرائيلي" مع بعض القوى السياسية اللبنانية وحياد عربي ظاهري والآن في سوريا يعيد التحالف الامريكي العالمي هجومه على سوريا للانتقال الى العراق وبعدها للوصول الى الرأـس (إيران) خلال سنة او سنتين وفق المخطط الأميركي.
يقاتل المقاومون، بشكل اسطوري في ساحاتهم ،لكن الحوت الاميركي يبلعهم الواحدة والآخر، بسبب قتالهم المنفرد ولعدم تكافؤ القوى وبقاء روسيا والصين خارج قطار التحالف الحقيقي والشامل وفي حال نجاح المشروع الأميركي في الشرق الاوسط ،سيتقدم نحو روسيا بعد استنزافها بالحرب الأوكرانية - الروسية ومن ثم الصين لإعادة منظومة (القطب الامريكي الأوحد)  الذي يحكم العالم!
لم تنته الحرب في لبنان، وعلينا التعايش مع سنوات عجاف قادمة تستوجب الاستفادة من حرب الشهرين الماضيين، وتغيير سلوكياتنا، والاكتفاء بالضروري، والتنازل عن الكماليات، والاكتفاء بالترميم الضروري اللازم..


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل