فلسطين اليتيمة صامدة... والمقاومة المستفرَدة منتصرة _ عدنان الساحلي

الجمعة 22 تشرين الثاني , 2024 05:09 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
سيسجل التاريخ أن مقاومة شعبية مؤمنة، صمدت وكسرت هجوم سبعين ألف جندي "إسرائيلي"، بطيرانهم الأميركي الأكثر حداثة في العالم؛ وبدباباتهم وكل أسلحتهم التي تجددها لهم الولايات المتحدة الأميركية يومياً. ومنعتهم من احتلال قرية لبنانية واحدة والبقاء فيها.
فشل العدو في احتلال مدينة الخيام وغيرها، من مدن وبلدات الجنوب وقراه، ليسجل انتصاراً للمقاومة، وكان ذلك الاحتلال مطلوباً بإلحاح من الأميركيين، لكي يتسنى للمبعوث الأميركي اليهودي - "الإسرائيلي" عاموس هوكشتين أن يفرض شروط "إسرائيل" على لبنان، ليتم وقف إطلاق النار بين المقاومة اللبنانية والعدو "الإسرائيلي"، بعدما استنفذ العدو أهدافه العسكرية، وأصبح عمله اليومي قتل المدنيين وتدمير بيوتهم وتهجيرهم. كما باتت كلفة الحرب تهدد وجود كيان العدو ومستقبله، بعدما أصبحت صواريخ المقاومة ومسيراتها تنفجر وسط عاصمته الاقتصادية حيفا، ووسط عاصمته السياسية الأولى تل أبيب، وداخل كل مستعمراته الشمالية وثكناته وقواعده العسكرية، وبات تهجير سكان المدن المحتلة والمستعمرات المقامة فوق أرض فلسطين يؤدي إلى هجرة قسم كبير من المستوطنين إلى خارج فلسطين؛ إلى البلدان التي جاؤوا منها غزاة ومحتلين. 
كل ذلك والمقاومة في لبنان تقاتل قتالاً أسطورياً وهي مستفردة، حيث تقف أكثرية الدول العربية متفرجة، لا بل متواطئة، لأنها سارت وتسير في طريق التطبيع مع العدو "الإسرائيلي"، خضوعاً منها للإملاءات الأميركية، والعالم الإسلامي اسم على غير مسمى، ونموذجه تركيا الأردوغانية؛ العضو في حلف "الناتو" العدواني، التي ترتبط مع العدو بعشرات المعاهدات والاتفاقيات المفعلة؛ والتي لم يحصّل منها لبنان وغزة وحركة "حماس" إلا على التضامن الكلامي، الذي لا يسمن ولا يغني.
وفي الداخل اللبناني، كما هو معروف، فئات تعودت على الاستقواء بالأجنبي طوال تاريخها، وهي سبق أن استقوت بالعدو "الإسرائيلي". هذه الفئات تستقوي هذه الأيام بالهجمة الأميركية - "الإسرائيلية" على المقاومة في لبنان وفلسطين، وترفع أصواتها مراهنة على انتصار "إسرائيلي" يسلمها مقدرات لبنان وحكمه، وهذا وهم راودها عام 1982 ودفعت ثمنه باهظاً، لكنها لم تتعلم الدرس لأنها مرتبطة بالعدو إلى شعر رأسها، وهي تعرف أنها ومن يطالب معها بنزع سلاح المقاومة، إنما ينفذون مطلباً "إسرائيلياً" تعجز "إسرائيل" عن تحقيقه بقوة جيشها. 
لكن استفراد المقاومة هو الذي يطمع تلك الأصوات الرخيصة بالتطاول على المقاومين. فقد تبين أن مخابرات دول عربية وأجنبية حذرت العدو "الإسرائيلي" من عملية طوفان الأقصى، لكن غرور نتنياهو وزمرته جعلهم يتجاهلون التحذير، بينما لم نجد أي مخابرات عربية أو صديقة، لا روسية ولا صينية ولا حتى مصرية، أو خليجية أو حتى شمال افريقية نبّهت المقاومة من تحضير العدو لتفخيخ "البايجيرات"، ولا من عمليات الاغتيال الجبانة التي نفذها بحق قادة المقاومة، فأين الأشقاء والأصدقاء والحلفاء وأجهزة مخابراتهم من معركة المقاومة في وجه حرب أميركا و"إسرائيل" لتغيير وجه الشرق الأوسط، حسبما يعلنون؟ أم أن معظمهم منخرط في حرب أميركا و"إسرائيل" على المقاومة؟ بل اين مخابرات الدولة اللبنانية وفرع معلوماتها وأجهزتها لمقاومة التجسس مما جرى، أم أن كل عملها منصب هذه الأيام على إرضاء دول الغرب بمنع النازحين السوريين من الهجرة بحراً إلى أوروبا؟
والأمر نفسه يقال عن غزة البطلة الذبيحة، فهي ما تزال تقاتل وتقتل وتجرح من جنود العدو يومياً، فيما هي يتيمة لا أهل لها ولا قريب، بعدما تبرأ منها من كان الأولى بدعمها ومساندتها، بداية من سلطة أبو مازن للتنسيق الأمني مع العدو "الإسرائيلي"، التي كان أول همها بعد عملية طوفان الأقصى البطولية، التحريض على حركة "حماس" ودعوة أميركا و"إسرائيل" ودول الغرب وأذنابهم من أنظمة العرب، لاجتثاثها والتخلص من المقاومة ومن عملياتها، التي تذكر العالم بقضية هي أعدل قضايا الكون؛ وهي قضية اغتصاب فلسطين واحتلالها من اليهود الصهاينة.
وأكثر ما يكشف يتم فلسطين والصامدين الاستشهاديين في غزة، أن الدول التي كانت تدعي أنها تمثل جمهور المسلمين، تحولت من دول دعوة دينية إلى دول ترفيه وحفلات عربدة، تتجاهل عشرات آلاف الشهداء الذين يقتلهم "الإسرائيلي" بالسلاح الأميركي، في غزة وفلسطين ولبنان، فازدادت تردياً وتبعية للغرب والصهيونية العالمية. كانت تلك الدول ترفع شعار السلفية والوهابية لتكفر كل من يخالف سياساتها وتزمتها، وباتت الآن ساحات للرقص والعهر والخلاعة والعري، تنكراً منها لماضيها الذي استنفدت اغراضه لصالح السياسات الأميركية، التي استغلته في تشكيل تنظيمات تنفذ سياساتها، مثل "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما من التنظيمات التي وظفتها أميركا لمحاربة وتدمير كل من يرفض الغزوة الصهيونية والإملاءات الأميركية.
بيد أن الصورة مع قتامتها تؤكد أن ما يجري فضح كل المتآمرين والمتفرجين، من جهة، ومن جهة ثانية، أثبت أن المقاومة المسلحة هي خيار وحيد لا بد منه، حتى لا نكون عبيداً في مستعمرات يقيمها الصهاينة في مدننا وقرانا، مادامت المقاومة المستفرَدة في لبنان قوية وستنتصر، وفلسطين اليتيمة صامدة وتقاتل.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل