أقلام الثبات
تشهد الاجتماعات والبيانات والمواقف الصادرة عن مختلف الدول، العربية والأوروبية وفوقها الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل"، خلال السنوات الماضية التي شهدت حراكاً دولياً وإقليمياً، ضمن مساعي ما يسمى زوراً "السلام" بين كيان العدو وبعض الأنظمة العربية، أنها كلها كانت تصدر في أجواء من الحذر، في انتظار حدث يؤدي إلى "تحييد" أو إسكات أصوات الاعتراض الفلسطينية والعربية، الرافضة لاعتراف تلك الأنظمة بالكيان الصهيوني، القائم فوق أرض فلسطين؛ والرافضة للتخلي عن قضية فلسطين وشعبها المشرد خارج وطنه؛ وهو الذي ينتظر منذ العام 1948 وعد الحكومات والجيوش العربية، بإعادته إليه، بقوة تلك الجيوش وبقرار تلك الأنظمة، التي أقنعها خضوعها للهيمنة الأميركية، بأن "السلام" مع "إسرائيل" أقل كلفة من تحرير فلسطين.
على رأس تلك الجهات المطلوب إسكات وتهميش صوتها ودورها تقف قوى المقاومة، خصوصاً في فلسطين ولبنان، باعتبارها على تماس مباشر مع العدو المحتل؛ وحجر عثرة أمام رغبات أنظمة التطبيع والخيانة العربية، في خضوعها للعدو وتسليمها لمشيئته.
خططت قوى المحور الأميركي - الصهيوني لأن يتم التخلص من قوى المقاومة مسبقاً، إن بإشغالها بمشاكل داخلية في أوطانها، مثل الفتن التي تشتعل بين وقت وآخر في لبنان، أو بحروب محلية مثل "الثورة" المشبوهة التي شهدتها سورية، بدعم مباشر من العدو "الإسرائيلي" وحلف "الناتو" وأنظمة التطبيع العربية، أو بدفع دول مثل المملكة السعودية ومشيخة الإمارات لشن حرب ضد اليمن، في تحالف شاركت فيه مصر والسودان، أو بإشعال حرب أهلية في السودان، حتى لا يحاسب شعبها حكامه على تبعيتهم وتفريطهم بثروات وطنهم، أو بتحريك قوى اعتراضية مدفوعة الأجر، حتى لا تصحى شعوب تلك الأنظمة، أو تستقوي بمواقف المقاومة، فتتجرأ وترفض تنازل تلك الأنظمة عن القضية العربية والإسلامية الأولى، قضية فلسطين وشعبها المظلوم وقدسها الأسيرة.
أرادت قوى الهيمنة والتسلط العالمي أن تخلي الساحات لتحسم مسالة السيطرة الصهيونية على المنطقة العربية. فوضعت نصب أعينها، مع الأنظمة الذيلية العربية، التخلص من المقاومة في كل الساحات العربية، فعملت جهدها لنشر الفتنة بين المسلمين، سنة وشيعة، وصرفت لذلك أموالاً لا تعد ولا تحصى. وافتعلت ما سمي زوراً "الربيع العربي"، الذي تبين أنه ربيع عبري، عملت القوى المشاركة فيه على تسليم كل مقدرات بلدانها للأميركي وأتباعه في حلف "الناتو"، ولم تخفِ سعيها لإقامة تحالف سني - "إسرائيلي"، لمواجهة إيران الداعم الأساسي لقوى المقاومة العربية والإسلامية، ففشلت في ذلك، لأن مثل هذا التحالف غير مقبول من جموع العرب والمسلمين، فاستعاضت عنه ببدعة "الديانة الإبراهيمية"، تكون القيادة فيه لليهود ليهيمنوا على المسيحية والإسلام. واخترعت أطراً وتحالفات تدعي العمل من أجل السلام في الشرق الأوسط مثل "ALLMEP"؛ وهي مجموعة تضم أكثر من 70 منظمة غير حكومية، تعمل على تعزيز المصالحة بين "الإسرائيليين" الجزارين والفلسطينيين الضحايا. وكذلك بين العرب واليهود في الشرق الأوسط . ولذلك ليس مستغرباً أن تنعقد قمة الرياض الأخيرة، تحت شعارات ودعوات السلام، فيما العدو "الإسرائيلي" يشن أبشع حروبه واكثرها دموية، ضد الفلسطينيين واللبنانيين.
وفي لبنان، عملت الولايات المتحدة، على تعزيز نفوذها وهيمنتها على مؤسسات الدولة المالية والعسكرية. وأصدرت أمراً بتجفيف لبنان من العملات الصعبة، فكان ذلك إشارة انطلاق لعملية نهب وسرقة أموال المودعين في المصارف اللبنانية وتهريبها إلى الخارج، في حين كانت المملكة السعودية تسعى جهدها وتبذل أموالها، لتنفيذ الأمر الأميركي - الصهيوني بالتخلص من المقاومة. ودفع الرئيس سعد الحريري ثمن رفضه إشعال فتنة مذهبية ضد المقاومة. كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صريحاً عندما قال لصحيفة الـ"الواشنطن بوست" الأميركية: "نريد الحريري أقوى في لبنان من حزب الله، بالتعاون مع جعجع"، وأقدم بن سلمان على اعتقال الحريري، ثم منعه من أن يكون رئيساً لحكومة لبنان. كما منعه من تقديم مرشحين إلى المقاعد النيابية.
كان حاكم المملكة، يريد من الحريري إعادة تجميع فلول 14 آذار والتحالف معهم، بمن فيهم الذين وصفهم الحريري بـ"كتاب التقارير"، الذين حرضوا بن سلمان على احتجازه وعزله من مواقعه الرسمية. وسياسة المملكة، ليس في لبنان فقط، بل في عموم المنطقة، ترتكز على إطاعة الرغبات الأميركية و"الإسرائيلية"، التي تتمحور أميركياً حول "نفطنا وإسرائيلنا"، كما قال رونالد ريغان في حقبة سابقة. وفي لبنان تلتقي الرغبة الأميركية بـ"الإسرائيلية"، في محاولة حصار "حزب الله" وصولاً إلى التخلص منه ومن سلاحه. ولذلك ويا لسخرية القدر، قررت المملكة، بعد عزلها للحريري، تنصيب سمير جعجع، رجل "إسرائيل" الأول في لبنان، زعيماً على المسلمين السنة، فنالت الفشل والخزلان.
كل هذه المخططات والفتن، اصطدمت وتحطمت بمفاجأة "طوفان الأقصى"، تلك العملية البطولية، التي كسرت كل نظريات الأمن "الإسرائيلي" وحطمت حس الأمان الصهيوني؛ وأعادت قضية فلسطين إلى واجهة الأحداث وأحيتها في الذاكرة العالمية والعربية، فكان الرد الأميركي-الأطلسي-"الإسرائيلي" الشرس والإجرامي الجنوني، بتدمير كل مظاهر الحياة في غزة؛ وارتكاب أبشع المجازر بحق أهلها. وكان القرار "الإسرائيلي" العلني، بأن دور المقاومة في لبنان سيأتي بعد الانتهاء من غزة، لذا كانت المقاومة وحزب الله سباقين في إسناد غزة ومجاهديها، لينال لبنان نصيبه من الإجرام الأميركي و"الإسرائيلي" من جهة؛ وليقوم بواجبه، شعباً ومقاومة، في صد الغزوة الصهيونية التوسعية، التي تنفذ المشروع التلمودي الذي يعمل لتنفيذ شعار (حدودك يا "إسرائيل" من الفرات إلى النيل)، وهو مشروع توسعي احتلالي يقف محور المقاومة بوجهه وحيداً، لا يجد غير إيران داعماً ومسانداً له في هذه المعركة.
لبنان يدفع فاتورة المطبّعين _ عدنان الساحلي
السبت 16 تشرين الثاني , 2024 01:57 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة