أقلام الثبات
طويلة هي مرحلة "البطة العرجاء" في أميركا، رغم أنها معتادة ومُتعارَف عليها، وتبدأ قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية في بداية نوفمبر تشرين الثاني، وتنتهي باستلام الرئيس المنتخب في العشرين من يناير كانون الثاني من العام التالي، وتُصاب السياسة الخارجية بالشلل الجزئي، خاصة عندما يكون الرئيس المُنتخَب من الحزب الخصم كما حصل الآن بفوز الجمهوري دونالد ترامب، ولو كان حصل العكس، وفازت الديمقراطية كاميلا هاريس، لكان استشراف القادم من الأيام أسهل على دول "العالم الثالث"، ولبنان في طليعتها، سيما أن لبنان بلا رئيس جمهورية وبحكومة تصريف أعمال، وينتظر النظر بأمره بعد أن تطيب البطة الأميركية العرجاء، ويدخل الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض للنظر في وضع بلد هو دائماً كما الدجاجة الكسيحة، وينتظر ترياق الشفاء من الخارج.
وبصرف النظر عن توجهات إدارة الرئيس ترامب، ووعده الخطي لمجموعة من الجالية اللبنانية بوقف إطلاق النار في لبنان، وبمعزل عن شروط وقف النار، عبر تطبيق القرار 1701 أو Plus) 1701)، فإن لبنان بغياب رئيس للجمهورية غير مؤهل على المستوى الدستوري للبت بأمر اتفاقيات وقرارات دولية، باستثناء تعويم القرار 1701 كما هو دون أي تعديل، وهذا التعويم مُستبعد، نتيجة الرفض "الإسرائيلي" له، مما قد يستدعي تعديلات قد تصدر بقرار جديد، ويلزمه توقيع رئيس جمهورية، مهما حاول البعض إعطاء رئيس حكومة تصريف الأعمال موقعاً استثنائياً بغياب الرئيس، أو منح مجلس النواب ورئيسه سلطة القرار بمعزل عن الرئاسة الأولى.
ومما يُنقل عن الأروقة الأميركية في هذه المرحلة الانتقالية، أن الرئيس بايدن يهمه أن "يفعل شيئاً" إيجابياً لوقف حروب الشرق الأوسط قبل رحيله، والرئيس ترامب يريد أن يحصل ذلك قبل دخوله البيت الأبيض، والمشاورات "الإسرائيلية" تحصل في واشنطن على خط الرئيسين، من أجل ملحق تنفيذي للقرار 1701 بضمانة أميركية - روسية، دون الحاجة لتعديل علني في هذا القرار، سيما أن روسيا قادرة على أن تكون "حارس حدود" في سوريا لمنع إعادة تسليح حزب الله، وفق السعي "الإسرائيلي" لذلك، على أن يُترك أمر تطبيق القرار 1559 للداخل اللبناني بعد انتخاب رئيس للجمهورية مع ما يستلزم ذلك من حوار وبحث في الإستراتيجية الدفاعية.
وبقدر ما أن وقف إطلاق النار المؤقت ممكن مع لبنان، بقدر ما أن الوقف الدائم صعباً، لأن "المؤقت" قد يحقق لنتانياهو إنجازاً سياسياً بمواجهة مستوطني الشمال، المشككين بقدرته على إعادتهم، لكن "الدائم" يرتبط بعودة متوازنة للنازحين إلى الشمال الفلسطيني المحتل، وإلى الجنوب اللبناني الذي يحاول الجيش الإسرائيلي من خلال الحرق والتجريف للقرى الأمامية، جعله غير صالحٍ للسكن، خاصة بعد إعلانه عن بدء المرحلة الثانية من العدوان البري، رغم العجز عن التموضع والسيطرة في المرحلة الأولى، في مشهدية مكررة عن غزة.
والداخل اللبناني ليس بأفضل حال لمواجهة التحديات، جمود جليدي رهيب على المستوى السياسي، والكل متقاعد عن أداء دور جدي لاستيلاد ذلك الرئيس التوافقي، حتى ولو كان "رجل ثلج"، توصله طبقة من نواطير الثلج، لا تفعل شيئاً سوى أنها تنتظر مَن يوصِل لها "الناطور الأكبر" إلى بعبدا.
في أميركا يرحل رئيس ويأتي رئيس، وفي "إسرائيل" يُقال وزير ويحلّ مكانه وزير، وفي لبنان يحاول رئيس حكومة تصريف الأعمال القيام بالممكن، لدرجة التوسُّل إلى حدود التسوُّل في القمة العربية والإسلامية، ورئيس مجلس النواب يقوم بمهام "الأخ الأكبر" للمقاومة وينتظر هوكستين، وبين مجيء هوكستين و ذهابه، فإن مهام "الرئيس الأكبر" حامل الرقم إثنين في الدولة اللبنانية باتت أصعب، وبات يحمل "بطيختين"، ولا يستطيع لغاية الآن ممارسة لعبته في "تدوير الزوايا" لانتخاب أي توافقي كان، ليحمل الرقم واحد، ولا طائل من انتظار البطة الأميركية للشفاء من عرجتها بعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض، لأن الدجاجة اللبنانية الكسيحة مع هكذا مجلس نيابي "فالج لا تعالج".