أقلام الثبات
حققت انتخابات الولايات المتحدة الأميركية مفاجآت عدّة، أهمها أن الحزب الجمهوري استطاع أن يفوز بالرئاسة وسيطر على مجلس الشيوخ، ويقترب من تحقيق أغلبية في الكونغرس، كما حقق الغالبية على مستوى حكام الولايات.
هذه النتيجة الساحقة تعني أن الحزب الديمقراطي لم يخسر فقط السباق الى البيت الأبيض، بل خسر في التصويت الشعبي، وهذا إن كان يدل على شيء فهو يدل على أن الشعب الأميركي قد انحاز الى أجندة الجمهوريين على مستويات عدّة، أهمها مستوى القيم المحافظة والقيم العائلية.
لا شكّ لعبت عوامل عدّة، منها الاقتصاد والهجرة غير الشرعية وحربي غزة وأوكرانيا وشخصية هاريس، في نتائج الانتخابات، لكن الصراع السياسي اتخذ عاملاً ثقافياً تنافس على أساسه الحزبان الأميركيان، وهما الاجندة المحافظة الجمهورية، مقابل أجندة ما يسمى "اليقظة".
ينقسم الديمقراطيون والجمهوريون حول سياسات "اليقظة"؛ ففي حين نشرت المرشحة الرئاسية كامالا هاريس (في وقت سابق قبل ترشحها) فيلماً دعائياً عن استقبال متحوّلين جنسياً في البيت الأبيض، قام المرشح دونالد ترامب بالإعلان أنه سيكون ضد سياسات "اليقظة"، وأدرج الحزب الجمهوري في برنامجه الرسمي للحكم، تعهده بمحاربة سياسات "اليقظة"، ومنعها من المدارس، وطرد "الديمقراطيين اليساريين من الجيش الأميركي في أقرب وقت ممكن".
معنى "اليقظة" Woke
في الأصل، بدأت كلمة "اليقظة" أو "ابقَ مستيقظاً" للدعوة إلى الوعي بالظلم وعدم المساواة المنهجي القانوني والنظامي اللذين يستهدفان السود في الولايات المتحدة الأميركية. عام 1938، أصدرت مغنية البلوز الأميركية ليد بيلي أغنية عن تسعة مراهقين سود اتُّهموا ظلماً بالاغتصاب في ألاباما بالرغم من براءتهم. في مقابلة حول الأغنية، قالت ليد بيلي: "أنصح الجميع أن يكونوا حذرين بعض الشيء عندما يذهبون إلى هناك (ألاباما). من الأفضل أن تظل مستيقظاً، وأن تُبقي عينيك مفتوحتين".. ومنها انطلقت تلك العبارة.
بقي المصطلح ضمن إطار المجتمع الأسود لغاية عام 2010، حيث بدأ هذا المصطلح يخرج إلى نطاق أوسع، خصوصاً مع الوعي بحقوق السود الذي نشرته منظمة "حياة السود مهمة"، فتحوّل بعدها إلى وصف شامل للسياسة التقدمية التي تطالب بالعدالة الاجتماعية وسياسات أكثر شمولية inclusive، فأضيفت إلى السود، فئات مثل المثلية الجنسية، والمتحوّلون وغيرهم.
لاحقاً، تحوّل المصطلح إلى "رمز سلبي" يدعو إلى مراقبة كلمات الآخرين، وشيطنتهم إذا لم تكن آراؤهم متوافقة مع النمط السائد، أو الصحيح سياسياً (بحسب الأجندة التقدمية)، ويرى البعض أنه تحوّل إلى أداة لقمع حرية التعبير، وفرض الأحكام الأخلاقية على الآخرين.
ما رفضه الأميركيون بالتصويت للجمهوريين هو فرض سياسات "إكراهية" قيمية وفيها تعليم الاطفال في المدارس حول المثلية الجنسية والسماح للرجال المتحولين جنسياً بالمشاركة في ألعاب الفتيات ومباريات ملكات الجمال النسائية، وتشجيع الأطفال على تغيير جنسهم (أحياناً من دون رضى الوالدين ومن دون معرفتهم)، وغضّ النظر عن جرائم التحرش والاغتصاب التي يقوم بها بعض المتحوّلين من الرجال خلال وجودهم في الأماكن المخصصة للنساء إلخ... يذكر أن استطلاعات الرأي أفادات ان 85% من الأميركيين يرفضون مشاركة المتحولين جنسياً الرجال في مباريات الرياضة للفتيات.
وعليه، خلال أربع سنوات من حكم الجمهوريين، سيشهد العالم تراجعاً لأجندة "اليقظة"، وسيكون هناك انتعاش لليمين والقيم المحافظة سواء في أوروبا أو في العالم.