أقلام الثبات
تفرض الولايات المتحدة الأميركية عداءها وسطوتها على لبنان والعرب، من خلال دمجها الكامل لسياساتها ومصالحها في منطقتنا العربية، بالسياسات والمصالح "الإسرائيلية"، أو بالأحرى بسياسات ومخططات المتطرفين اليهود، الذين تسيطر "لوبياتهم" في أميركا على سياسات وتوجهات واشنطن؛ وتربط مصالح ومستقبل الساسة الأميركيين وأحزابهم بالمصالح والسياسات اليهودية و"الإسرائيلية" تحديداً.
الإدارات الأميركية المتعاقبة، إن كانت في عهد جو بايدن الآفل، أو في عهد دونالد ترامب، الذي سبق أن جربنا عدوانيته، لا تترك مجالا أمام اللبنانيين والعرب، للفصل بين جيش العدو "الإسرائيلي"، الذي يقتل ويشرد شعبنا ويدمر بلادنا؛ وبين الجيش الأميركي، الذي يزود الجيش "الإسرائيلي" بكل ما يحتاجه، من سلاح وذخائر وقوى عسكرية وبحرية وأساطيل وحاملات طائرات، تستنفر وتحتشد في منطقتنا، كلما شعرت الولايات المتحدة ودول حلف "الناتو" الغربية، بأن "إسرائيل" بخطر. وهذا الأمر ليس طارئاً ولا جديداً، بل هو مرافق لكل عدوان يشنه هذا الكيان الدخيل، منذ إنشائه. حتى قيل إن الكيان "الإسرائيلي" ما هو إلا قاعدة عسكرية غربية متقدمة، لحماية النفوذ والمصالح الغربية والأميركية في المنطقة العربية، بل هو يشكل الولاية الواحدة والخمسين، في الإتحاد الأميركي البالغة خمسين ولاية.
ووفق ما هو معلن، فإن الولايات المتحدة زودت العدو "الإسرائيلي" منذ السابع من تشرين الأول 2023 بما قيمته 24 مليار دولار أميركي، من الأسلحة والذخائر البالغة الدقة والشديدة التدمير. حملتها مئات الرحلات لطائرات وبواخر النقل الأميركية. ومنذ يومين أذيع خبر عن تمويل الإدارة الأميركية صفقة يشتري فيها العدو "الإسرائيلي" 25 طائرة إف 15 من الجيل الجديد، بقيمة 5,2 مليار دولار، مع فتح المجال أمام صفقة مماثلة لشراء 25 طائرة أخرى. فيما أعلنت القيادة الوسطى الأميركية، أن سرب طائرات إف 15 التابع للقوات الجوية الأميركية، وصل الخميس الفائت إلى منطقة عمليات تلك القيادة، أي إلى منطقة شرق المتوسط.
وتناقلت وسائل الإعلام، في اليوم نفسه، خبراً عن منع الحكومة الإسبانية، رسو سفينتين في مرافئها، مبحرتين من نيويورك، تحملان أسلحة وإمدادات عسكرية لـ"إسرائيل"، فيما يضج مصريون وعرباً بخبر عن مساعدة السلطات المصرية "لإسرائيل"، بإيصال شحنة أسلحة ومتفجرات، إلى ميناء أشدود.
وفي هذا الوقت، يقول عمرو موسى، الأمين العام السابق للجامعة العربية، في تصريح له : "إن ما يسمى الشرق الأوسط الجديد، دخل مرحلة التنفيذ، ومنطقتنا يعاد ترسيمها لصالح فرض الهيمنة الإسرائيلية عليها". واعتبر ان "إسرائيل تهدف إلى التوسع على حساب دول المنطقة وقد يشمل ذلك اراض دول مثل السعودية ومصر". ولمن نسي، فإن ذلك المشروع هو مشروع أميركي، دعت إليه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس، لكن صمود المقاومة في لبنان وفلسطين أفشله.
هذا المختصر السريع لما يحيط بنا من أحداث، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن الحرب القائمة مع العدو "الإسرائيلي" طويلة، حتى لو شهدت هدنة قصيرة أو طويلة، فمشروع الهيمنة الأميركية لتهويد و"أسرلة" المنطقة العربية قائم ومستمر على قدم وساق، ومواجهته فرض عين على كل شريف وصاحب كرامة يرفض أن يكون عبداً، فيما خلقه الله حراً لا يركع إلا لله ولا يحني رأسه إلا لخالقه، كما أن الدفاع عن الأرض واجب لا يتخلف عنه إلا الجبناء والخونة.
ونحن في لبنان، شئنا أم ابينا، وضعتنا أميركا أمام خيارين لا ثالث لهما، منذ أن دفعت امور اللبنانيين نحو التعقيد، عندما صنعت، مع أزلامها في السلطة، من حكام الفساد والخيانة، أزمة مالية، كانت كلمة السر فيها قرارها بتجفيف لبنان من العملات الصعبة، تحت غطاء تظاهرات غاضبة، فجرها تصرف مقصود بفرض ضريبة غير منطقية على الاتصالات الخليوية، للتغطية على سرقات القائمين على وزارات الحكومة اللبنانية في ذلك الوقت، واستغل المشبوهون وأزلام السفارات تلك التظاهرات ليخرجوها عن مسارها، كما كانت في الوقت نفسه فرصة لتهريب المصارف والنافذين، أموال المودعين في المصارف، إلى خارج لبنان.
وهذان الخيارين هما: إما الدخول في طابور الخيانة والتطبيع مع العدو "الإسرائيلي" والتسليم بسرقته لفلسطين وبسيطرته على قرار وثروات المنطقة العربية؛ واما الموت جوعاً أو قتلاً، مثلما نشهد اليوم، باستهداف المقاومة وبيئتها الحاضنة.
وأميركا في تسلطها هذا، لا تتصرف من بعيد، بل هي متواجدة عسكرياً في لبنان، من خلال التسهيلات العسكرية، التي توفرها السلطات اللبنانية للجيش الأميركي، في القواعد العسكرية الجوية اللبنانية وفي مختلف ثكنات الجيش، التي لا يغيب عنها المستشارون الأميركيون. فيما تحول مطار حامات إلى قاعدة عسكرية أميركية بكل ما للكلمة من معنى. في وقت تحولت فيه السفارة الأميركية في عوكر، إلى مدينة عسكرية أميركية محصنة تشبه المنطقة الخضراء في بغداد.
كما تبرز هنا، الهيمنة الأميركية، في منعها الجيش اللبناني من الحصول على أسلحة أو دعم من دول أخرى، لا يرضى الأميركي عنها مثل روسيا وإيران. وفي منعه الجيش اللبناني من استعمال السلاح الأميركي ضد العدو ألإسرائيلي". وحادثة شجرة العديسة ماثلة أمامنا، وهذا السلاح هو خردة من مخازن الأميركيين في أوروبا، من مخلفات الحرب العالمية.
والأميركي بالتالي، يسعى لحسم هيمنته على المنطقة العربية، للتفرغ إلى صراعه المحتدم مع الصين. ومن خطط الأميركي، ما سبق أن تحدّثت عنه معاونة وزير الخارجية الأميركية السابقة باربرا ليف، عن لبنان، أمام مركز ويلسون للأبحاث، حيث قالت: "إن انهيار لبنان سيمكّن بطريقة ما إعادة بنائه من تحت الرماد، متحرّراً من اللعنة التي يمثّلها حزب الله"، ما يجعل الانخراط في معركة التصدي للمشروع الأميركي واجب كل اللبنانيين. وبالتالي، إذا لم تكن هناك مقاومة، من الواجب إيجادها حتى لا يتحول لبنان إلى مستعمرات "إسرائيلية" وقواعد أميركية.
العدوان على لبنان... أميركي _ عدنان الساحلي
السبت 09 تشرين الثاني , 2024 12:39 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة