أقلام الثبات
من الملاحظات السلبية التي ترافق حرب الإبادة والتدمير "الإسرائيلية" على المقاومة وأهلها في لبنان، غياب أي تضامن عربي وإسلامي ودولي - اذا استثنينا بعض حالات الدعم والاهتمام في العراق وسوريا وايران والجزائر بنسب مختلفة - سواء على المستوى الشعبي، او الرسمي وحتى على مستوى المؤسسات الدولية الإنسانية والمحاكم، لطلب وقف النار او معاقبة العدو، خلافاً لما كانت عليه الأوضاع أثناء حرب غزة وقيام تحرك عالمي كان في أكثره "غربياً"، الذي شهد تظاهرات طلابية وانعقاد المحكمة الجنائية الدولية وإصدار قرارات ضد العدو "الاسرائيلي" ومسؤوليه.
يمكن للبعض ان يقول: ماذا نفعت كل هذه الاعتصامات والتظاهرات والقرارات الدولية، فهي لم توقف الإبادة الجماعية في غزة، ولم تُوقف الحصار، ولم تمنع التدمير الشامل لغزة؟
صحيح انها لم تُوقف الحرب على غزه ولم تُثمر حتى الآن، لكن لكل تحرك نتائج مباشرة وغير مباشرة، فاذا لم ينتج هذا الحراك بإيقاف الحرب، لكنه يفضح، التوحش "الاسرائيلي" والنفاق الاميركي الرسمي والغربي، والتعريف بالقضية الفلسطينية، وحجز بعض الصفحات في التاريخ لكتابة الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها "اسرائيل" بتأييدٍ أميركي ويمكن ان يأتي اليوم الذي سَتُحاسب عليها؛ كما قامت اسرائيل باستثمار "الهولوكوست" المزعومة بعد الحرب العالمية الثانية، ولا زالت.
لابد من طرح السؤال مجدداً: لماذا لم نشهد اي تضامن عربي وإسلامي ودولي لدعم المقاومة واهلها في لبنان، حتى محاولة استنكار وحماية التراث العالمي في آثار بعلبك وصور، والتي هي ملك للإنسانية، أم لأنها في مناطق تُحسب على المقاومة وطائفتها؟
هل هناك تقصير في اظهار العدوان ونشر أخبار الجرائم التي ترتكبها "اسرائيل" على لبنان؟
هل هناك حصار اعلامي من ضمن الحرب ضد المقاومة وأهلها حتى تتم إبادتهم دون ان يعرف أحد؟
هل هناك أحقاد وفرصة للثأر وتقاطع مصالح ووحدة هدف، بالقضاء على المقاومة من أطراف وجنسيات متعددة؟ ولهذا صمت العالم؟
ان الصمت العالمي والاسلامي ورضا وتآمر بعض العرب على المقاومة وأهلها بسبب دورها في عرقله التطبيع وتعطيل الربيع العربي او لصراعات مذهبية او للنيل من "إيران" بشكل غير مباشر بالقضاء على حلفائها وإغلاق نوافذها الخارجية، يرسم مشهداً سوداوياً للأيام القادمة حول مواقيت الحرب ومدتها وشراستها، بناءً لعناوينها وتصريحات أطراف الحرب او المحايدين:
- إعلان "نتنياهو" أن هدف الحرب "تغيير معالم الشرق الأوسط" وأنها حرب حضارة ووجود وهذه الأهداف لا يمكن تحقيقها خلال شهر او شهرين وتحتاج لسنوات ولا تنحصر في جغرافيا واحدة بل في كل جغرافيا الشرق الاوسط .
- تصريح الوزير وليد جنبلاط ان الحرب ستطول وان مشروع تهجير الشيعة الى العراق الذي كان مطروحاً منذ عهد الانتداب الفرنسي، تقوم "إسرائيل" واميركا بتنفيذه الآن، وهذا مشروع كبير ولا يمكن تحقيقه بأشهر، بل لسنوات، مع التأكيد على افشاله من المقاومة واهلها (يجب عدم الانزلاق بتسهيل النزوح خارج لبنان).
- تصريح امين عام الحزب بأن المقاومة مستعدة لحرب استنزاف مهما طالت لإفشال اهداف العدو، مما يعني ان الحرب ليست لأسابيع ويمكن ان تطول لسنة او أكثر.
-إعلان الإدارة الأمريكية ومعها الغرب وعرب التطبيع وبعض القوى السياسية ،بوجوب نزع سلاح المقاومة وحلّ تشكيلاتها ومؤسساتها وهذا القرار يحتاج تنفيذه لسنوات ولا يمكن تحقيقه.
إن الصمت الدولي وإعلان أهداف الحرب، يستوجب على المقاومة ومحورها إعادة دراسة استراتيجية المواجهة والمقاومة وبناؤها على اساس "الحرب الطويلة" المتعددة الوسائل وليس على اساس الحرب القصيرة او الخاطفة مما يستدعي التكامل بين الميدان العسكري الذي يبقى هو الاساس وله الكلمة الفصل وبقية محاور المقاومة والمواجهة على المستوى الاعلامي والاقتصادي وتامين مقومات الصمود للمهجّرين ولأهل المقاومة ومصارحتهم بإمكانية طول الحرب حتى يتمكنوا من تأمين مقومات حياتهم الجديدة ومغادرة استراتيجية "المياومة" السياسية والمعيشية وعدم تركهم ضحية الإعلام المناهض للمقاومة بسبب قصور الإعلام المقاوم وعدم احترافيته وفرار "أولاد القصعة" من الميدان وغياب البيانات الرسمية لقوى المقاومة وإن صدرت فهي نادرة وعامة وضبابية وبعضها يؤذي اكثر مما ينفع.
الخوف ان نُقاتل وحدنا ولا يسمع بقضيتنا أحد، ولا يشيّعنا أحد، كما لم نستطع ان نشيّع شهداءنا وأحبابنا حتى الآن.. الاتكال على الله سبحانه، وأبطال الميدان الاستشهاديين... وصبر أهلنا الشرفاء..
مجازر "إسرائيل"... وغياب التضامن الدولي والحرب الطويلة _ د. نسيب حطيط
الخميس 07 تشرين الثاني , 2024 02:38 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة