أقلام الثبات
بات واضحاَ أن كل ما يصدر عن الإدارة الأميركية، حول لبنان هو مناورات سياسية تخدم المعركة الرئاسية المستحقة هناك، بعد ايام عدة، كما تخدم إملاءات اللوبي اليهودي الصهيوني، الممسك بكل تفاصيل الإدارة والحكم في الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي، فإن تزاحم مرشحي الحزبين الجمهوري والديموقراطي على إعلان التزامهما بحماية الكيان "الإسرائيلي" العدواني؛ ودعمه بكل أنواع السلاح والمال الأميركي والغطاء السياسي الدولي؛ وحتى إرسال الأساطيل لضرب كل من يحارب هذا الكيان الاستيطاني المجرم؛ وكل من يقف في وجه الغزوة اليهودية - الغربية للمنطقة العربية، ما هو إلا تزاحم لفرض السيطرة والتبعية والعبودية على شعوب المنطقة برمتها.
وفي السياق نفسه، تأتي تمثيليات السعي للسلام والعمل لتحقيق وقف لإطلاق النار، من قبل مرشحي الحزبين أنفسهما؛ ونشاط المبعوث الرئاسي الأميركي اليهودي، حامل الجنسية "الإسرائيلية" والذي خدم لسنوات ضابطاً في الجيش "الإسرائيلي"، عاموس هوكشتاين، في سياق تلك المعركة الرئاسية، بهدف استغفال الناخبين العرب الأميركيين، للحصول على أصواتهم، بما يرجح كفة نائبة الرئيس الحالي جو بايدن، المرشحة كاميلا هاريس، أو خصمها دونالد ترامب.
إلا أن هذا التحرك الأميركي، يكشف في الوقت نفسه، أن الإدارة الأميركية؛ ومن خلفها الحكومة "الإسرائيلية"، ما تزالان تصران على تنفيذ مخططاتهما القديمة، تجاه لبنان، لجعله ذيلاً للسياسات والمصالح الأميركية و"الإسرائيلية"، على غرار الدول العربية السائرة في الفلك الأميركي؛ وهي الأكثرية المطلقة من حكام العرب، الذين انضووا في قطار التطبيع مع العدو "الإسرائيلي"، أو الذين جهزوا أنفسهم للانضمام إلى ذلك القطار، فجاءت عملية طوفان الأقصى ومساندة لبنان للفلسطينيين، لتعطل عليهم هذا المسعى، مما زاد من حقدهم وعدائهم لكل المقاومين، أينما كانوا؛ كما زاد من تحريضهم المعلن والمضمر للأميركي و"الإسرائيلي"، كي يواصلا تدمير كل بيئات المقاومة، لأنها المرآة التي تفضح خيانتهم وتفريطهم بفلسطين وبكل ما يمت للعروبة والإسلام بصلة.
في هذا السياق وحتى لا يصدق ساذج بيانات الاستنكار، فيما التواطؤ ظاهر في التخلي ومنع ردات الفعل الشعبية، جدير أن نتذكر ذلك البيان الذي أصدرته كل من المملكة السعودية والأردن ومصر والإمارات، في تموز 2006 وادانت فيه المقاومة اللبنانية، إثر قيامها بعملية اسر لجنود صهاينة، لمبادلتهم بأسرى لبنانيين، في ذلك الوقت شكل ذلك البيان غطاءً رسميا عربيا للعدوان "الإسرائيلي" على لبنان، وهو نموذج عن الغطاء، الذي تشكله حالياً مواقف الأنظمة السائرة في الفلك الأميركي والخاضعة للإرادة الصهيونية.
هذا الأمر تريد الولايات المتحدة ومعها الحكومات العربية ذاتها، فرضه على لبنان، لجعله محمية "إسرائيلية" يقطع فيها دابر المقاومة؛ ويقمع فيها كل صوت معاد للكيان الدخيل القائم فوق أرض فلسطين، من خلال الترويج لحشد الجيش اللبناني في الجنوب (وهو موجود أصلا) ومضاعفة عديده، مقابل تسليم المقاومة لسلاحها، مع ترك هامش للجيش "الإسرائيلي" للتدخل عندما يرى ذلك ضرورياً، أي بمعنى آخر إحياء ظاهرة جيش العميل أنطوان لحد، باعتباره كان قوة لبنانية عميلة، تتولى العمل نيابة عن المحتل "الإسرائيلي".
وحتى لا تنطلي حملات التزويق حول وطنية هذا الإجراء، لا بد من الأخذ بالاعتبار أن الجيش اللبناني عاجز حالياً عن مواجهة جيش العدو "الإسرائيلي"، وعاجز بالتالي عن حماية الاراضي اللبنانية والمواطنين اللبنانيين؛ وآخر نموذج لهذا العجز، أن قيادة الجيش شيعت الرائد الشهيد محمد فرحات وجنوده الذين اغتالهم الجيش "الإسرائيلي"، باعتبارها فرقة دفن الموتى؛ وليست قيادة جيش عليها واجب قيادة عسكرها ومواجهة عدوها والرد على عدوانه والانتقام للشهداء.
والجيش اللبناني وقيادته ضحايا في هذا الموقف، إذ ليس في أيديهما حيلة، طالما أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة سلمت أمر وصاية للأميركيين على جيشنا، فالجيش اللبناني ممنوع من الحصول على السلاح الشرقي؛ ويقتصر تسليحه على خردة السلاح الأميركي، من بقايا أسلحة الحرب العالمية الثانية، أو آليات قديمة تقدمها بريطانيا حيناً أو الأردن حيناً آخر.
في هذا السياق، جدير أن نتذكر أن الجيش الأردني بعد أن أنجز عملية ضرب المقاومة الفلسطينية، في مجازر جرش وعجلون واربد والسلط ومخيمات العاصمة عمّان، أهدى لبنان أربعين دبابة أميركية "إم 48"، "تمخترت" ناقلاتها في استعراضها عبر البر من الأردن إلى لبنان. وكان ذلك مقدمة لصدامات وقعت بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية. وهذا الأمر دفع بعض المتابعين لرسم علامة استفهام حول زيارة قائد الجيش اللبناني جوزاف عون للأردن، هذه الأيام، بالتوازي مع الكلام الأميركي والأوروبي عن تسليح ودعم الجيش اللبناني، ليتولى مهمة الإمساك بالمنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والحدود مع فلسطين المحتلة، بما يلبي المطلب "الإسرائيلي" المدعوم أميركياً وعربياً، بالتخلص من المقاومة وتحقيق "سلام" بين لبنان والكيان الصهيوني، في حين أن الحكومة اللبنانية عاجزة عن تأمين رواتب لائقة لعسكرها الموجود، فكيف تريد تجنيد الاف أخرين من الجنود. مما يكشف أن ما يجري ما هو في حقيقته إلا مشروع استسلام مخز وخضوع جبان. لأن من المعروف، أن الجيش اللبناني ممنوع من استخدام السلاح الأميركي والغربي في مواجهة "الإسرائيلي"؛ وحادثة شجرة العديسة تكذب كل من يرفض هذه الحقيقة. كما أن الدعوة لتسليم سلاح المقاومة وصواريخها للجيش، يتناقض مع الحظر الأميركي على تسليح الجيش بسلاح روسي أو إيراني. وبالتالي، فإن تسليم سلاح المقاومة للجيش هو لوضعه في المخازن، أو لبيعه لمناطق الصراعات الدولية، مثلما باعت "القوات اللبنانية" سلاحها الثقيل وجنت منه مليارات تتمتع بصرفها نساء قادة "القوات". وهذ الأمر لن ينطلي على المقاومة وعلى كل من يؤمن بضرورة مواجهة العدو "الإسرائيلي"، فالميدان هذه الأيام هو الذي يتحدث؛ والمقاومة باقية وسلاحها باق، طالما بقي الخطر "الإسرائيلي" محدق بوطننا ويهدد ابناء الجنوب وكل لبنان.